السلطة تشترط وقف التحرك وإقرار المحكمة وانتخاب رئيس جديد أولاً... وبرّي يحذّر من «هجمة على المجلس»
فجأة حصل ما هو غير معلوم، حتى بادر فريق السلطة الى إحباط المبادرة العربية قبل ساعات من عودة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى إلى بيروت اليوم. وفوجئ الموفد الرئاسي السوداني مصطفى عثمان إسماعيل بتبدل جوهري في موقف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي قدم إليه اقتراحاً جديداً يعيد الأمور الى نقطة الصفر. لكن ذلك لم يمنع الموفد من متابعة اتصالاته مع الرئيس نبيه بري والبطريرك الماروني نصر الله صفير والنائب سعد الحريري.
وعلم أن السنيورة حمَّل الموفد السوداني خطة عرضها خطياً وتقضي بأن تنسحب المعارضة من الشارع ثم يصار إلى الانتقال للبحث في تسوية داخل مجلس النواب، حول المحكمة الدولية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية ثم تأليف حكومة وحدة وطنية. فأبدى بري رفضاً قاطعاً لهذه الخطة مؤكداً للموفد السوداني أن فيها محاولة لنقل الصراع من الشارع إلى داخل مجلس النواب وتعميم الاحتقان فيه سعياً إلى تفجيره من الداخل، بغية إكساب الحكومة شرعية تفتقر إليها ودفع نواب المعارضة والغالبية إلى المواجهة المباشرة.
وقال بري لـ“الأخبار” إنه ينظر إلى دور المجلس على نحو مغاير، كان قد أسرّ به البارحة إلى النائب غسان تويني حينما ناقشا سبل الحلّ. فأكد أنه يأمل الجلوس إلى طاولة حوار لمعالجة كل المشكلات القائمة والتوصّل إلى قرارات نهائية، ويدعو على الأثر مجلس النواب إلى الانعقاد لتكريس قانوني لما يكون قد اتفق عليه، ووضعه فوراً موضع التنفيذ.
وبعدما أشار بري الى أن الاكثرية تحاول تعطيل المجلس النيابي مستدلاً على ذلك بما قاله السنيورة عنه امس من انه “معطل ومخطوف” قال إن خطة السنيورة الجديدة فيها مزيد من أسباب العرقلة لمنع الوصول الى حل، وأضاف “انها لا تعيدنا إلى الوراء أشواطاً طويلة فحسب، وإنما هي مشروع تدميري بات الآن يستهدف مجلس النواب بالذات من خلال إقحامه في المواجهة وتعريضه للاحتقانين السياسي والمذهبي”. ولاحظ أن التعرّض للمجلس “متعمّد وهو كان حتى الساعة خارج دائرة الصراع بين الحكومة والمعارضة”. وأعرب عن اعتقاده بأن الغالبية تريد أن تحوّل مشروع المحكمة الدولية إلى مادة ابتزاز من أجل أن تخيّر الآخرين: “مَن ليس معها فهو ضد المحكمة حكماً”.
وكان التطور اللافت امس تناول السنيورة للمرة الاولى مجلس النواب فوصفه بأنه “معطل ومخطوف” وقال أمام وفود زارته في السرايا الحكومية أمس: “الناس يعيشون حالة من التوتر فلماذا، من أجل إدخال كذا وزيراً على الحكومة، نحن غير معارضين لهذا الموضوع، ولكن هل نريد هذا الشيء من أجل التعطيل أم لتسهيل وتفعيل عمل الحكومة، فرئيس الجمهورية مأخوذ كلياً منهم، ولديهم مجلس النواب المعطل والمخطوف الآن، فلماذا لا يعقد جلسات، ألسنا في نظام ديموقراطي؟”. وأضاف: “نقول للفريق الآخر إننا مستعدون لإعطائكم سبل المشاركة لكن شرط عدم التعطيل والاتفاق مسبقاً على موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي التي هي لكل اللبنانيين”، ورد على “من يهددون باقتحام السرايا” قائلاً: “للسرايا رب يحميها”.
وردت مصادر الرئيس بري على ما سمّته “بداية حملات الافتراء على المجلس النيابي ورئيسه” وقالت إنها “لن تصدق جنوح رئيس الحكومة ونحوه هذا المنحى” واكتفت بالقول: “من كانت نوافذه من زجاج لا يتمتع بأي حكمة إذا فكَّر برشق الناس بالحجارة”.
إلى ذلك وصف رئيس الجمهورية العماد إميل لحود التخوفات التي يبديها عدد من الملوك والرؤساء العرب من مخاطر فتنة في لبنان، بأنها “مجرد تهويلات وإن اتخذت منحى محدوداً في الأزقة والزواريب، لأن من يملك السلاح في وجه العدو الإسرائيلي لن يوجهه تحت أي ذريعة الى أخيه اللبناني، كما أعلن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله”. وأكد أن الجيش اللبناني “أقوى من أن يتأثر بالاستفزازات التي يعتمدها أصحاب المصالح ممن أورثوا البلاد هذا التدهور المريع في الأوضاع الاقتصادية، وهم اليوم يوترون الأجواء للاستئثار بالسلطة غير آبهين بالاصوات المطالبة بحكومة متوازنة لإنقاذ ما تبقى من أمل في الاصلاح”.
وكان الموفد السوداني قال بعد لقاءته: “نقوم باتصالات مع كل الافرقاء، وقد طرحنا افكاراً وضعناها في ورقة شملت الاطراف المعنيين كافة، وننتظر الآن الردود عليها لنحاول ان نقرب الهوة كي نخرج بمقترحات يمكن ان تكون معقولة ويجلس الأفرقاء الى طاولة الحوار”.
وإذ رفض الدخول في التفاصيل اوضح ان مهمته هي “محاولة لتهدئة الاوضاع في لبنان”. ونقل عن البطريرك صفير تأكيده “أن الوضع في لبنان خطير جداً ولكن هذا يجب ألا يمنعنا من العمل والاستمرار في بذل الجهود لأن الوضع بات ينعكس الآن على الشعب اللبناني بأجمعه في حياته اليومية”.
وينتظر ان يعود الامين العام لجامعة الدول العربية الى بيروت في إطار الوساطة العربية الجارية لإيجاد حل للأزمة. ونقلت “وكالة الصحافة الفرنسية” عن مصدر دبلوماسي عربي قوله ان موسى تلقى “بعض الاشارات الايجابية” التي دفعته الى العودة الى بيروت.
موقف الأكثرية
وفي المقابل قال احد نواب قوى 14 آذار لـ“الأخبار” إنه يعتبر أن المبادرات المطروحة “ليست جدية” متسائلاً: “ما الذي دفع حزب الله الى النزول الى الشارع؟ وما الذي يدفعه اليوم للعودة الى الحكومة؟”. وأضاف ان “إعطاء الثلث المعطل للمعارضة أمر غير وارد، ولم نقم بما قمنا به حتى اليوم لنعود ونعطيهم الثلث، وهم تحدثوا عن عشرة أشهر ونحن نقول حتى لو استمرت الأمور على ما هي عليه لعشرة أعوام فلن نعطيهم الثلث المعطل”.
وتساءل النائب نفسه عما إذا كانت سوريا وإيران “حصلتا على ثمن لإعادة المعارضة اللبنانية الى طاولة الحكومة والحوار السياسي” وأكد “أن على المبادرات الابتعاد عن موضوع التعديل الحكومي حسبما يطالب به حزب الله، وخصوصاً أنه يملك رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي”.
وشدد النائب على أولوية إنشاء المحكمة الدولية ثم رئاسة الجمهورية قبل الدخول في النقاش حول الحكومة، مشيراً الى “أن ما هو مطروح اليوم على الصعيد الحكومي هو “19 وزيراً أكثرياً و10 للمعارضة ووزير محايد”. ورأى النائب “ان الشارع اصبح في مواجهة شارع، وهو ما حصل في طرابلس مقابل بيروت حين شارك 100 ألف مواطن دعماً للحكومة، وهل يمكن حزب الله ان يحشد كل اسبوع مليون متظاهر. لذلك لا حل في الشارع”.