الحريري يحذّر من الشارع وجنبلاط يرفض الاستسلام ورؤساء الحكومات يحذّرون السنيورة من العناد
بدت البلاد اقرب الى مواجهة سياسية حادة وهي تقترب من لعبة شروط متبادلة من النوع الذي يمهّد لسجال اكبر، وخصوصاً بعدما قرر الرئيس نبيه بري تأجيل عودته الى بيروت حتى الاثنين المقبل، وهو ما فتح الباب أمام أسئلة عن طريقة تصرف فريق الأكثرية الذي يعتمد على عودة رئيس المجلس لفتح الباب امام حوار جديد تحت سقف التعديل الحكومي، وهو الأمر الذي بدا خارج جدول اعمال فريق المعارضة التي تقترب أكثر فأكثر صوب مطالب اكثر تحديداً وأكثر فاعلية مع قرار بعدم استهلاك الخطوات المنوي اتخاذها في المرحلة المقبلة والتي تبدو مفتوحة على كل شيء.
وحسب مصادر متابعة فإن المعارضة تدرس بقوة خطوات اكثر تصعيداً لناحية المطالب تتلخص في البحث في ضرورة قيام حكومة إنقاذ انتقالية تتولى الإشراف على وضع قانون انتخاب جديد يمثل ما يطلبه اللبنانيون، وأن تتولى الإشراف على الانتخابات المبكرة التي يليها قيام حكومة وفاق وطني وانتخابات رئاسية مبكرة.
وفيما نفى مكتب الرئيس بري الإعلامي أن يكون قد اعتبر الاجتماع الحكومي الذي أقر مسوّدة مشروع نظام المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري دستورياً حسبما روَّج إعلام الاكثرية، برزت مشكلة امام فريق الاكثرية تمثلت في تعذر تعيين وزراء بدلاء للوزراء الستة المستقيلين إذ تبيّن أنه لا يوجد وزراء بالوكالة يستطيعون تصريف اعمال الوزارات التي كان يتولاها بعض الوزراء المستقيلين. والبعض الآخر يحل مكانهم وزراء ينتمون الى الاكثرية الحاكمة مما قد يجعل الحكومة إذا استمرت من لون واحد بغالبيتها الساحقة ويكون في ذلك مخالفة دستورية إضافية ترتكبها الاكثرية الحاكمة.
وفي غضون ذلك ظل “إقرار” مشروع المحكمة الدولية موضع عملية أخذ ورد على كل المستويات، تغذيها مواقف دولية صدرت مؤيدة “المخالفة الدستورية” التي تتهم المعارضة الاكثرية الحاكمة بارتكابها في هذا الصدد. وكان في هذا المجال ان بعث رئيس الجهورية بكتاب الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان أكد له فيه ان “موافقة الحكومة على الاتفاق الدولي لا تلزم الجمهورية اللبنانية إطلاقاً لان القرار صدر عن سلطة مناهضة لمبادئ الدستور واتفاق الطائف وأحكامهما”. وأوضح ان هذا القرار “لا يلزم الجمهورية اللبنانية إطلاقاً لأن هذه الوثائق لم تكتسب موافقة رئيس الجمهورية اللبنانية عليها”. ورأى أن إنشاء المحكمة “احد العوامل الأساسية التي ستؤدي الى معرفة الحقيقة” في جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه.
فيلتمان لقادة 14 آذار
من جانبه حرص السفير الاميركي جيفري فيلتمان على طمأنة فريق الاكثرية إزاء موقف إدارته من التطورات في لبنان والمنطقة. وأبلغ قيادات 14 آذار استمرار “الدعم من الحزبين الديموقراطي والجمهوري الأميركيين للحكومة اللبنانية”. وقال فيلتمان“ان القرار الخاص بالسياسة الخارجية لبلاده ما زال في يد الرئيس جورج بوش ولن تتغير في أي من عناصرها الأساسية في لبنان خصوصاً”. وأضاف: “لا تعطوا الأهمية لأي خبر يتصل بزيارة وفد اميركي، او اي مبعوث خاص الى المنطقة، او اي تصريح يدعو الى إحياء الحوار بين واشنطن ودمشق تحديداً، فالأمر ليس له أي انعكاس على الوضع في لبنان، وهو مجرد كلام لا يؤخر ولا يقدم ولا يبدل في شيء على الإطلاق”.
وأجرى فيلتمان امس اتصالات شملت كل قيادات 14 آذار أبلغهم ارتياح الإدارة الأميركية وتهنئتها للحكومة وجميع مؤيديها بإقرار النظام الداخلي للمحكمة الدولية واتفاقية التعاون مع لبنان في جلسة مجلس الوزراء اول من امس، داعياً الى إعطاء تصريح سفير بلاده في الأمم المتحدة جون بولتون الأهمية التي يستحق.
الحريري وجنبلاط
ونفى رئيس كتلة “المستقبل” النائب سعد الحريري تخوفه من حصول صفقة اميركية ــــــ سورية ــــــ إيرانية ضد لبنان ورفض “ما يروّجه البعض” عن عزم الاكثرية على نشر القوة الدولية في كل لبنان. وقال في حديث متلفز امس: “لا نوافق على أي وصاية وضميرنا مرتاح ولن نقبل بما يسعى البعض لفرضه علينا” ودافع عن الرئيس السنيورة “الذي يملك تاريخاً قومياً عربياً بشهادة من حزب الله وأمل” معتبراً “ان إسقاط الحكومة ليس أمراً بسيطاً” واصفاً توقيت استقالة الوزراء الستة بأنه “خاطئ” وقال: ان حزب الله ليس متورطاً في جريمة اغتيال الحريري. وهم وطنيون وكانت تجمعهم علاقة جيدة مع الشهيد”.
ومن جهته قال رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط في حديث متلفز مساء امس إن الأكثرية لن تخضع لمطلب المعارضة بالحصول على الثلث المعطل في الحكومة وقال: “لديهم الرئيس الذي يقف الى جانبهم تماماً. عندهم... تحالفهم مع الايرانيين والسوريين على حساب استقلال لبنان”. وتساءل: “لديهم الاسلحة ولا احد يتحدث عن اسلحتهم... وفوق ذلك تريدون منا ان نستقيل.. ان نقبل الاستسلام الكامل. نحن لن نستقيل”. وقال إنه وحلفاءه مستعدون لتنظيم تظاهراتهم “سنبقى هادئين.. إذا اضطررنا للتظاهر فسنتظاهر سلمياً”. وأضاف “من الافضل الابتعاد عن الشارع... أنا لست خائفاً من رأينا العام من شعبنا، أنا خائف من مخربين سوريين”.
سجال رؤساء الحكومات
ودار امس سجال بين الرئيس السنيورة ورؤساء حكومة سابقين كانوا قد دعوه الى تعليق اجتماعات مجلس الوزراء “ريثما يتم التفاهم داخل اللقاء التشاوري على صيغ وفاقية”. فرد عليهم مستغرباً دعوتهم هذه وأكد أنه “مسؤول عن استمرار المؤسسات الدستورية في عملها، (...) وتعطيل هذه المؤسسة الدستورية البارزة هو أكبر تهديد يمكن توجيهه الآن الى المصير الوطني، ولميثاق العيش المشترك، الذي نحرص عليه جميعاً”. ورفض المساومة على جريمة اغتيال الحريري والقرارات الدولية الصادرة في شأنها “باسم التشاور” معتبراً “أن هذه المساومة بالذات قد تهدد المصير الوطني، ووحدة اللبنانيين وأملهم بالمستقبل الحر والآمن والمستقر”.
ورد الرئيس ميقاتي على السنيورة فرأى “أن السجال لا يؤدي الى حل، والتوافق يجب أن يبقى سيد الأحكام، وأن الدستور ليس فقط نصوصاً جامدة أو تفسيرات مختلفة، بل قبل كل شيء روح وفاقية لها الأولوية”. أضاف: “إنني على ثقة بأن الرئيس السنيورة يدرك ايضاً وأيضاً أن عزل طائفة عن المسؤولية الوطنية في بلد مثل لبنان، لا يهز فقط صيغة العيش المشترك، بل يفقد لبنان احدى ابرز خصائصه التي جعلت منه وطن الدور والرسالة”.
وأعلن كرامي ان رؤساء الوزراء السابقين سيجتمعون اليوم و“سيردون حتماً على السنيورة، ونحن نقول إنه كان من الاجدى في سبيل المصلحة الوطنية ان يصار الى تأليف حكومة اتحاد وطني”. ورأى “ان الاستمرار في العناد ودفع البلاد نحو المزيد من الانقسام سيؤدي الى الخراب”.
أما الرئيس الحص فرأى أنه “لا يمكن اعتبار التغيير الحكومي من المحرمات” مؤكداً ان “لا بديل من الحوار لتنفيس الاحتقان والتفاهم على الامور العالقة”.
لحود وقرار الحكومة
وتوقفت المصادر الحكومية امس عند رفض رئيس الجمهورية تسلم نص القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء بشأن المحكمة الدولية والذي ارسله إليه السنيورة امس بالطرق الدستورية، وذلك انسجاماً مع موقفه الذي يعتبر جلسة مجلس الوزراء التي عقدت مساء الاثنين مجرد لقاء وزاري تشاوري، ومن حق السنيورة أن يعقده ساعة يشاء، سواء في السرايا او في المقر المؤقت لمجلس الوزراء.
وعلمت “الأخبار” ان مشروع توزيع المقاعد الوزارية البديلة من الوزراء المستقيلين قد اصطدم مجدداً “بالتوقيع الإلزامي” لرئيس الجمهورية وخصوصاً أن البدائل في وزارتي العمل والبيئة محصورة بوزيرين من المستقيلين، فحسن السبع يحل محل طراد حمادة ومحمد فنيش يحل محل الصراف وان اي تغيير خارج المرسوم السابق الذي حدد البدائل يفرض صدور مرسوم مماثل يوقعه لحود، الذي قالت مصادره لـ“الأخبار” امس إنه لن يوقع مثل هذه المراسيم للأسباب المعروفة. وقالت مصادر وزارية لـ“الأخبار” إن في امكان الوزيرة معوض ان تتسلم مهمات وزارة الصحة من اليوم، وكذلك الوزير طارق متري لوزارة الخارجية ومحمد الصفدي لوزارة الطاقة والمياه وجو سركيس وزيراً للزراعة.