لا شيء في الأفق السياسي يوحي بأن ثمة تسوية يمكن حصولها بين السلطة والمعارضة، وجاء إقرار مشروع المحكمة الدولية السبت ليقفل الأبواب أمام أي مساع كان السفير السعودي عبد العزيز خوجة يقوم بها عادة. وقد تبيّن أنه الآن في الرياض للمشاركة في اجتماع عام لسفراء السعودية في العالم ولن يعود الى بيروت قبل بضعة ايام، فيما اتصل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان وأبلغه إقرار الحكومة مشروع الاتفاق بين لبنان والأمم المتحدة في شأن المحكمة الخاصة بلبنان ونظامها الاساسي.ولم يسجل امس أي تحرك او إشارة على خطوط الاتصال بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والأكثرية التي امضت عطلة نهاية اسبوع درست خلالها ردود الفعل المحتملة على خطوتها غير الدستورية وسط استعداد قوى المعارضة لاستئناف التحرك قريباً، ووسط معلومات عن جهوزية لدى التيار الوطني الحر الذي دعا قائده العماد ميشال عون جميع كوادره وأنصاره الى الاحتشاد في جميع مراكز التيار والبقاء فيها حتى خلال فترات الليل، بينما أبقى حزب الله استنفار ماكينته في العاصمة والمناطق كما كان عليه الوضع يوم الخميس الماضي.
وفيما اكدت اوساط المعارضة أنها تنتظر الساعة الصفر للنزول الى الشارع مؤكدة أن المسألة هي “مسألة أيام” قال الرئيس بري أمام زواره امس إن انعقاد الاجتماع الحكومي وإقرار المحكمة زادا الأمور تعقيداً وأكدا الإمعان في سياسة الخطأ وسياسة الأبواب الموصدة التي تفتح الوضع على مواجهات سياسية ودستورية حادة كان في الإمكان تفاديها بشيء من التعقّل والأخذ بما كان قد طرحه، وهو تأليف حكومة وحدة وطنية مع ثلث ضامن منطلقاً من الأسس نفسها التي قامت عليها الحكومة الحالية.
وحذر بري من أن “الإصرار على انتهاج سياسة التفرّد والاستئثار والانقلاب على الاتفاقات والتفاهمات وتعطيل كل الحلول السياسية وتجاوز كل الأصول الدستورية والميثاقية، سيأخذ البلد الى المجهول ويعطي المعارضة كل الحق للقيام بمسؤولياتها في حفظ البلد وإنقاذه”، كذلك حذر من ان الإصرار على عقد جلسات حكومية غير دستورية وغير ميثاقية تتجاهل تداعيات تهميش شريحة كبرى من اللبنانيين على النسيج السياسي والوطني المكوّن للبلد “سيهز مبدأ العيش المشترك ويسيء الى وحدة البلد واستقراره وسلمه الأهلي”.
وفيما لا تستبعد أوساط قريبة من بري “طحشة” للأكثرية عليه لمطالبته بدعوة مجلس النواب الى جلسة لإقرار مشروع المحكمة الدولية قالت هذه الاوساط إنه كان قد درج في اطار ممارسته صلاحياته في رئاسة المجلس أن لا يضع على جدول أعمال الجلسات أي مشروع قانون لا يحمل توقيع الوزير المختص، فكيف الأمر إذا كان هذا المشروع لا يحمل توقيع رئيس الجمهورية.
وقال بري أمام زواره امس انه ليس في وارد خرق الدستور ولا القوانين ولا الأصول المتبعة في هذا الصدد، وتساءل: “لماذا كان الإصرار على إقرار المحكمة الدولية بنصف إجماع بينما كان في الإمكان إقرارها بإجماع مجلس الوزراء وبالتالي اختصار الآلية الدستورية لأنه ضمن الآلية التي أُرسل بها الى رئيس الجمهورية يحتاج الى شهرين لإقرار هذه الآلية. ولو انهم قبلوا بحكومة الوحدة الوطنية لكانت المحكمة قد أُقرَّت تلقائياً”. وأكد أنه في ضوء ما حصل بات يتشكك في نيات الفريق الاكثري.
إلا أن البارز كان امس الخلوة التي عقدت بين الرئيس أمين الجميل ووفد حزب الله القيادي برئاسة النائب محمد رعد الذي زار بكفيا معزياً باسم السيد حسن نصر الله، وقال «ان الجريمة مستنكرة بكل المقاييس، وإننا باسم الجميع نجدد الإدانة واعتبار ما حصل استهدافاً لرمز كبير وشخصية كبيرة من بيت كبير وعريق”.
وقال الرئيس الجميل: “لقد تأثرت كثيراً لمضمون الاتصال الذي أجراه السيد حسن أمس وقد شكل كلامه بلسماً على الجرح الذي أصابنا، وفي مثل هذه الحالات لا فرق بين شهادة بيار وشهادة هادي، كلاهما استشهد من أجل لبنان. ولذلك آن الأوان لنفكر بثقافة الحياة بدل ثقافة الموت وبالوفاق وبالكلام الذي يبني والمبادرات التي تعمّر، ومهما حصل فسنعود في النتيجة، كما في كل الازمات، الى طاولة حوار، وإنني أعوّل كثير اً على همة الرئيس نبيه بري وقلبه الكبير، وعلى الرجل الطيب فؤاد السنيورة، هذا الرجل المسلم العربي المقتنع بقضيته”.
ورد رعد بالقول: “إن مساحة اللقاء المشتركة كبيرة وكبيرة وأكثر مما يتصوره البعض، نحن معنيون بالحوار والتعاون وبصيغة العيش المشترك وبالحفاظ عليها، لدينا عدو واحد وعدو الجميع هو إسرائيل وهو العدو الحصري وما دونه أشقاء قد نختلف او نتفق معهم بالسياسة”.
وكان الجميل قد قال لإذاعة “فرانس انترناسيونال” امس انه يملك “بعض الدلائل الخجولة” عن اغتيال نجله، مشيراً الى انه يتريّث في توجيه الاتهامات في انتظار مزيد من الأدلة. وأعرب عن أمله بكشف منفذي الجريمة، وقال ان “عمليات اغتيال عدة” استهدفت شخصيات معارضة لسوريا و“لم نتمكن من معرفة الحقيقة”.
من جانبه أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ان الحزب لا “ينظر إلى تفاصيل ما بحث في داخل جلسة مجلس الوزراء يوم السبت، سواء أكان المحكمة الدولية أم أي أمر آخر، بل إن ما ينظر إليه أن هناك حكومة فقدت شرعيتها وفقدت دستوريتها، وهي ما زالت تجتمع وتتخذ بعض القرارات، التي ليس لها أي قيمة عملية أو تطبيقية لأنها مخالفة للدستور”. ورأى أن على الحكومة “أن تستقيل بشكل رسمي ونهائي من خلال استقالة رئيسها، وإما أن تتمّم أعضاءها حتى تكون ممثلة بكل أطياف الشعب اللبناني”. وحمّل الأكثرية “مسؤولية الأجواء التي سببت اغتيال الوزير بيار الجميل، لأنها أوجدت بيئة مؤاتية وملائمة لدخول خفافيش الليل من الموتورين ومن الذين يريدون الفتنة للبنان”. ورأى قاسم إن التلويح بالتحرك الشعبي ليس تهديداً بل هو “استخدام لحق، كفله الدستور والقوانين المرعية الإجراء”، وقال: “ما قررناه أن نتحرك بوسائل سلمية حضارية من دون أن نعلن عنها مسبقاً، وإنما نعلن عن كل تحرك في حينه وفي وقته بالتفاهم والتعاون مع حلفائنا في المعارضة”. وأشار الى ان “ساعة الصفر تعني قرار المعارضة الجدية. لكن توقيت الأعمال والتصرفات سيعلن فجأة لأنها تكون مثمرة أكثر وفي آن معاً وتفسح في المجال لبعض العقلانية، التي نأملها عند الطرف الآخر قبل أن نصل إلى الحائط المسدود”.
والى ذلك كان للبطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير موقف توجه به الى “المسيحيين وخصوصاً الذين تفرقوا ويبدو أن جمعهم اصبح صعباً جداً”، ودعاهم الى “ان يضع بعضهم يديه بأيدي بعض وأن تكون قلوبهم الى قلوب بعض وأن يوثقوا روابط المحبة في ما بينهم لينهض لبنان” محذراً من انه “إذا لم يتم ذلك فإن الوضع يكون صعبا جداً، وقد رأينا كيف ان المتزعمين في لبنان يسقطون الواحد تلو الآخر برصاص الغدر والانتقام والحقد، وهذا يجب ألا يكون”.
وأعرب رئيس كتلة المستقبل النيابية النائب سعد الحريري، في حديث الى شبكة الـ“سي.أن.أن” الأميركية مساء امس عن اعتقاده بـ“ان لسوريا يداً في اغتيال الوزير بيار الجميل”، وبأن الرئيس لحود “يقوم بحماية القتلة”، وقال انه متأكد من “انه ليس لحزب الله دور في الاغتيالات، ولكن لسوء الحظ فإن حزب الله وبعض حلفاء سوريا في لبنان، وهم لبنانيون، يقومون بحماية النظام السوري خدمة لمصالحهم الخاصة”.
\