شهدت الأيام القليلة الماضية تطورات لافتة في المشهد السوري، مع انتهاء عمليات إجلاء المدنيين والمسلحين من الجيب الجنوبي لغوطة دمشق إلى إدلب ومحيطها، وما أثارته تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأخيرة، عن «انسحاب قريب» لقوات بلاده من سوريا. وشكّل إتمام الاتفاق الخاص بمدينة عربين ومحيطها، نقطة فارقة ضمن مسار الخطط الحكومية لإفراغ محيط العاصمة دمشق من الوجود المسلّح، وينتظر أن يتبع لاحقاً بمعارك واتفاقات مشابهة في أحياء القدم واليرموك والحجر الأسود، وفي بيت سحم وببيلا وجوارهما، بعد الانتهاء من ملف التسوية في مدينة دوما. الملف الأخير شهد مفاوضات طويلة بين الجانب الروسي و«جيش الإسلام» انطلقت في أواسط شهر شباط الماضي. وحرص الطرفان على إبقاء تفاصيلها خارج نطاق التداول الإعلامي، لتظهر النتائج تباعاً عبر إجلاء حالات طبية من معبر مخيم الوافدين والسماح بإدخال مساعدات إلى دوما (على خلاف مناطق الغوطة)، وصولاً إلى خروج عشرات الآلاف من المدنيين من مناطق سيطرة «جيش الإسلام». وفي المراحل الأولى من التفاوض، نفى مسؤلون من الفصيل الأخير مراراً، وجود أي محادثات. ولكن بعد توقيع «فيلق الرحمن» لاتفاق التسوية وبدء خروج المدنيين والمسلحين من عربين وجوارها، بدأت أخبار قليلة عن المفاوضات تخرج من جانب «جيش الإسلام». وقبل دخول أول دفعة حافلات أمس، إلى مدينة دوما، لإخراج مدنيين ومسلحين نحو ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة تركية، كان الجانب الروسي قد أكد التوصل إلى «اتفاق مبدئي» لإخراج الرافضين من المسلحين وعوائلهم. وخلال وقت قصير، عاد مسؤولو «جيش الإسلام» لنفي هذه الصيغة من الاتفاق، والتأكيد على أن ما يجري هو إخراج لعدد من المصابين والمرضى، بينهم مدنيون ومسلحون. وبالتوازي، وعلى الأرض، أشارت مصادر عسكرية إلى خروج 20 حافلة تقل أكثر من 1000 مسلّح مع عدد من المدنيين، من دوما، استعداداً لنقلهم إلى منطقة جرابلس. وأوضحت أن ذلك يأتي ضمن اتفاق يقضي بخروج مسلحي «جيش الإسلام» من رافضي الاتفاق، وتسوية أوضاع الباقين تمهيداً لعودة مؤسسات الدولة ومن ثم تسليم المختطفين المدنيين والعسكريين، وجثامين الشهداء، إلى جانب خرائط الألغام والأسلحة الثقيلة والمتوسطة. وأتت القافلة بعد خروج نحو 24 حافلة من دوما، أول من أمس، تضم عدداً من المصابين ومقاتلين في «فيلق الرحمن» وأسرهم، ممن نزحوا من مناطق القطاع الأوسط إلى مدينة دوما، خلال وقت سابق.
دخل الجيش السوري عدة قرى جنوبي شرقي حماة من دون معارك


التباينات في الأنباء عن طبيعة الإجلاء، تتقاطع مع الغموض والتوتر الذي ساد المفاوضات، التي ضمت بنوداً معقدة بينها الوجهة المفترضة ومصير المختطفين والمبالغ المالية، وغيرها. وانعكس هذا على عدد من مجريات عملية الإجلاء أمس، إذ خضعت الحافلات لتفتيش دقيق، خوفاً من محاولات تهريب مختطفين بين المدنيين والمسلحين، نحو الشمال. كذلك ترافقت عملية التفاوض الخاصة بدوما، مع محادثات مماثلة في مناطق القلمون الشرقي وريف حمص الشمالي، كما في ببيلا ومحيطها. وكما في باقي مسارات التسوية، فإن الحديث يجري عن مصالحة وإجلاء أو عمليات عسكرية. ومن شأن ذلك تحييد احتمال كون تلك المناطق وجهة مفترضة للمسلحين الخارجين من دوما، عدا عن وضعها على سكة العودة إلى السيطرة الحكومية تباعاً. وفي منطقة ريف حمص الشمالي وامتدادها إلى أطراف ريف حماة، بدأ تحرك الجانب الروسي في طريق المصالحات يعطي ثماره، إذ وقّعت أمس قرى تقسيس زور والعمارة والمشداح والجمقلية وجور الجمقلية وجور أبو درده، وقرى أخرى في ريف حماة الجنوبي الشرقي، اتفاقات مصالحة. ودخلتها قوات الجيش السوري من دون معارك، بعد انسحاب المسلحين منها.
ويشير اختيار مناطق ريف حلب الشمالي الخاضعة لسيطرة الأتراك، كوجهة مفترضة لمسلحي «جيش الإسلام»، إلى احتمال وجود تفاهمات روسية ــ تركية مسبقة على هذه الخطة. ويأتي ذلك قبل أيام من قمة رئاسية ثلاثية، تركية ــ روسية ــ إيرانية، تنطلق بعد غد في أنقرة. ويفترض أن يختتم وزراء خارجية الدول الثلاث صياغة بيان ختامي لها، فيما يصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم إلى تركيا، لعقد لقاء ثنائي يسبق القمة مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان. ويأتي اللقاء الثلاثي، في وقت يشهد فيه الشمال السوري تطورات مهمة، بعد التصريحات الأميركية حول الانسحاب المفترض، والأنباء عن وصول قوات فرنسية إلى مدينة منبج. وفي السياق، جدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التأكيد على عدم شرعية الوجود العسكري الأميركي في سوريا، معرباً عن أمل بلاده بأن تكون تصريحات الرئيس ترامب «مقدمة لالتزام واشنطن بوعودها السابقة» بسحب قواتها بعد هزيمة «داعش».