غزة ـ خضر محجزبعد سبعة أيام كاملة من الصمت، تخرج علينا العاصمة المصرية بمبادرتها لوقف إطلاق النار بين «الشعب العربي الفلسطيني والدولة الإسرائيلية». سبعة أيام بلياليها وطائراتها وقصفها على غزة، لم تحرك «مصر السيسي». أما بعدما اتضح أن إسرائيل صارت تحت النار الفلسطينية مباشرة، فقد أحبت مصر الرسمية أن تتدخل، قبل أن يتدخل الآخرون، فيفسدوا عليها تفردها بأوراق التأثير.

ليس ذلك فحسب، بل إن مصر تفاهمت مع الإسرائيليين على بنود الورقة قبل أن تعرضها على «أشقائها العرب في غزة»، ما يقوي الاعتقاد القائل إن القاهرة أرادت من وراء ذلك إذلال فصائل المقاومة. في كل الأحوال، صرحت بذلك الإذاعة العبرية من دون أن يرد عليها من مصر من ينفي.
ماذا تقول الورقة المصرية؟ بعد الاستهلال الصياغي الذي تعودناه عن السلام وحفظ الأبرياء، وقبل النهاية المحتوية على الخطوات التنفيذية، تنص المبادرة على أربعة بنود، هي:
1ــ «توقف إسرائيل جميع الأعمال العدائية على قطاع غزة برا وبحراً وجواً، مع التأكيد على عدم تنفيذ أي عمليات اجتياح بري لقطاع غزة أو استهداف المدنيين».
2ــ «توقف الفصائل الفلسطينية كافة في قطاع غزة جميع الأعمال العدائية من قطاع غزة اتجاه إسرائيل جواً، وبحراً، وبراً، (وتحت الأرض) مع تأكيد إيقاف إطلاق الصواريخ بمختلف أنواعها والهجمات على الحدود أو استهداف المدنيين».
3ــ «فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع عبر المعابر الحدودية على ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض».
4ــ «أما باقي القضايا، بما في ذلك موضوع الأمن، فسيجري بحثها مع الطرفين».
في قراءة هذه البنود، يظهر أن الورقة المصرية (العربية) تساوي في البندين الأول والثاني بين المعتدي والمعتدى عليه، بل ربما يمكن القول إنها تقف على مسافة أقرب من الإسرائيليين حين تكتفي بمطالبتهم بالتوقف عن الأعمال العدائية في (البر والبحر والجو)، فيما تضيف شرطا رابعا يخص ضبط السلوك الفلسطيني (تحت الأرض). بر غزة مقابل البر الإسرائيلي، وبحر غزة مقابل بحر الدولة الإسرائيلية، وجو غزة مقابل جو إسرائيل... ويأتي الشرط الزائد (تحت الأرض) ليضيف عبئا آخر على الفلسطينيين الذين تغلق مصر في وجوههم المعبر الوحيد للاستشفاء والحياة في رفح.
أما في البند الثالث، فيمكن رؤية حجم الحرص المصري الرسمي على استمرار أوضاع غزة على ما هي عليه قبل الحرب، ففتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع، إنما يجري بعد استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض، ومن يقرر متى تستقر الأوضاع الأمنية على الأرض؟
على الفلسطينيين أن يقبلوا الحصار وإغلاق العالم أمامهم حتى تستقر الأوضاع الأمنية. وبما أن مصر ضامن للتنفيذ، فلا شك أنها ستواصل معاقبة الفلسطينيين بغلق المعبر حتى «يتحسن سلوكهم الأمني» مع الإسرائيليين، مع التذكير بأن الضامن المصري لم يقف مرة واحدة ليشجب خروق إسرائيل للتهدئات السابقة التي صاغها المصريون وضمنوها!
ليس من الضروري أن تكون هذه النقطة الثالثة من صياغة المصريين، رغم أنهم من قدموها، إذ لا شك أن إسرائيل لو صاغت مبادرة، لوقف النار، ما صاغتها أفضل من هذه، فمتى أمكن التفكير في أن الأوضاع في غزة ستهدأ مع الاحتلال؟ يظهر أن من صاغ الورقة يريد ذلك متناسيا أننا في غزة لا نريده أبدا.
أما النقطة الرابعة التي تنص على بحث باقي القضايا مع الطرفين، فهي ذر للرماد في العيون كالعادة، إذ لم يحدث أن بحث شيء جرى تأجيله في أي اتفاق قبل ذلك، لأن إسرائيل تؤمن بمبدأ التعايش مع الأزمة يوما بيوم، لا بحلها من جذورها. مثلا الاستيطان في الضفة يمشي على هونه منذ توقيع أوسلو، ولم تعق نشاطه نقاط مشابهة في الاتفاق. والاعتقالات والاغتيالات استمرت وتصاعدت بعيد كل اتفاق. ثم من يظن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يمكنه أن يوافق على رفع الحصار بناء على هذا البند؟ هذه الورقة ترمي بالفعل إلى استباق أي محاولة للتدخل بطريقة أفضل من أطراف دولية أخرى. ومع متابعة الإعلام العبري الليلة الماضية، يمكن رؤية كم يشعرون بالاعتزاز والثقة. أولئك المحللون في القناتين الثانية والعاشرة كانوا يتحدثون عن الورقة المصرية بأنها «تصب في مصلحة إسرائيل كليا وترمي إلى تحجيم حماس ومنعها من تحقيق الانتصار». على ضوء ما سبق، ربما لم يكن نتنياهو كاذبا حين أعلن أن سبب استجابته الأولية للمبادرة المصرية، هو وعود القاهرة بدراسة اقتراح نزع السلاح من غزة.
فهل هذا هو ما تسعى إليه الورقة؟