في الواقع، تراجع صافي الموجودات الخارجية في الفصل الأوّل من العام الحالي بنحو ملياري دولار، وهو ما يشكّل 3% من الناتج المحلّي. ويتوزّع مصدر النزف بين الموجودات الخارجية في مصرف لبنان (بقيمة 1.11 مليار دولار أميركي)، والموجودات الخارجية في المصارف الخاصة (899 مليون دولار أميركي). ويُعتبر هذا التراجع قياسياً بكل المعايير بالنسبة إلى القطاع المالي في لبنان، فهو بلغ 9 أضعاف التراجع المُحقّق خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وأعلى من الرقم القياسي الذي سجّل في الفصل الأوّل من عام 2015 وبلغ 850.2 مليون دولار، والذي يعدّ الأعلى منذ بداية الأزمة في عام 2011.
تبدو آثار هذا التراجع واضحة على مختلف المؤشّرات، بداية من احتياطات مصرف لبنان بالعملة الصعبة التي تراجعت خلال سنة واحدة من 43.12 مليار دولار في نيسان/ أبريل 2018 إلى 37.97 مليار في نيسان/ أبريل 2019. وإجمالي ودائع القطاع المصرفي بالعملات الصعبة الذي تراجع منذ نهاية العام الماضي من 9.88 مليار دولار إلى 8.91 مليار دولار في شهر شباط/ فبراير الماضي، أي بقيمة 970 مليون دولار خلال الشهرين الأولين من السنة.
مع بداية الأزمة، عزا كثيرون تراجع التحويلات الخارجية ونزيف العملة الصعبة إلى الضغوط الناشئة من السوق الدولية، وتحديداً ارتفاع معدّلات الفوائد في الخارج والضغوط على السيولة في الاقتصادات الناشئة. إلّا أن أرقام هذا العام تشير بوضوح إلى أن حجم الأزمة بات يتجاوز هذه العوامل، وهي تدلّ إلى وجود أزمة ثقة في الاقتصاد المحلّي واستدامة النموذج الاقتصادي القائم، تتجاوز أزمة المالية العامة والحلول التبسيطية القائمة على التقشّف وخفض الأجور، وأن المصدر الرئيس لها يكمن في الاتكال المُفرط على التحويلات الخارجية لمدّ السوق بالعملة الصعبة.