ربى أبو عمّوهل يستذكر أحد البطل الأوكراني ـــــ النازي، ستيفان بانديرا. قصته من عمر الحرب العالمية الثانية. يحفظها الروس بقدر ما يجلّها مواطنو غرب أوكرانيا. غريب أن يعود هذا الزعيم، الذي توفي منذ خمسين عاماً، إلى الواجهة السياسية والإعلامية، بعدما منحه الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو لقب البطل القومي في 22 من الشهر الماضي. توقيت اختاره بدقة، بعد خسارته الفادحة في الانتخابات الرئاسية التي جرت دورتها الأولى في 17 من الشهر نفسه. خسارة لم تمثّل هزيمة له بقدر ما كانت انتصاراً لروسيا.
من هو بانديرا؟ يصفه محبّوه بأنه «البطل الذي لا يقهر. هو الذي قدم الكثير من التضحيات في سعيه لتحقيق أوكرانيا المستقلة». كان ستيفان زعيم تنظيم القوميين الأوكران (OUN)، الداعم لاستقلال بلدهم عن الاتحاد السوفياتي. ولتحقيق هذه الغاية، تحالف التنظيم مع ألمانيا النازية في عام 1941. تحالفٌ لم يدم طويلاً، إذ لم يكن للألمان أي نية في تحقيق حلم بانديرا. اختاروا القبض عليه، حيث تم اعتقاله في معسكر اعتقال نازي. في المقابل، نفذ أتباعه عمليات حربية ضد المحتلين الألمان حتى انهزام النازية، ليواصلوا بعد ذلك قتالهم ضد السوفيات.
أما بالنسبة إلى السوفيات والروس، فتمجيد بانديرا، حليف النازية، وجعله بطلاً، يعادل تمجيد بطل حرب. من خلال خطوته هذه، أراد يوتشينكو استفزاز روسيا، هو الذي أعلن تحالفه مع الغرب منذ قيام الثورة البرتقالية في عام 2004. ولم يبق له بعدما تحول إلى ورقة خاسرة في يد الولايات المتحدة، إلا الانتقام لفشله من موسكو. ولأن أيامه على كرسي الرئاسة باتت تعدّ على الأصابع، قرر إحراج المتنافسين الحاليين على الرئاسة، زعيم حزب المناطق فيكتور يانوكوفيتش ورئيسة الوزراء الحالية يوليا تيموتشنكو. إحراج لا شك أنه سينسحب على روسيا، وخصوصاً أن الرابح في الجولة الثانية للانتخابات غداً، أياً كان، هو حليف لها.
لم يتمكن يانوكوفيتش من معارضة قرار الرئيس بشدة، واكتفى بالقول إن ذلك «لن يساهم في توحيد أوكرانيا». في المقابل، تقف تيموتشينكو في موقف أصعب، هي التي تعتمد على أصوات الناخبين في غرب أوكرانيا، كونها أيضاً كانت إحدى ركائز الثورة البرتقالية المناهضة لروسيا، التي تضم البانديريين. وما يزيد الطين بلة هو أن بانديرا كان قد أعلن إنشاء الجمهورية الأوكرانية المستقلة في حزيران من عام 1941، في لفوف، غرب البلاد.
يوتشينكو لا يقف وحيداً. فقراره نال تبريراً من الصحافي الأوكراني المقرب من الرئيس، فاختانغ كيبياني، الذي رأى أن «تعاونه مع الفاشيين مشكلة. ولكن إذا أردنا أن نتحدث عن التعاون مع النازيين، ينبغي لنا ألا ننسى ستالين واتفاق مولوتوف ـــــ ريبونتروب (معاهدة عدم الاعتداء بين ألمانيا والاتحاد السوفياتي التي وقعت في 23 آب من عام 1939».
قد يضطر الرئيس الأوكراني الجديد، الذي لا شك أنه سيعمل تحت لواء روسيا، إلى إلغاء القرار. فلا بد أنه يدرك مدى التأثير السلبي لتشويه تاريخ الحرب العالمية الثانية، واعتبار الاتحاد السوفياتي احتلالاً. إلغاء قد يزجّه في أزمة داخلية مع البانديريين.
في المقابل، تمضي موسكو في استعادة دورها في أوكرانيا. وبعد يومين من الدورة الأولى، كلّف الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف سفير روسيا الاتحادية لدى أوكرانيا، ميخائيل زورابوف، الذي كان عيّن منذ 5 أشهر، بالمباشرة في أداء مهامه.
صحيح أن روسيا كانت الهدف الأساس لقرار يوتشينكو. إلا أنه أيضاً أزعج يهود العالم إلى أقصى الحدود، ما يمكن أن يعرضه للمساءلة، حتى إنه قد يتهم بالعداء للسامية. لا شك أن هذا يريح موسكو بعض الشيء؛ فقد أدركت أن الرئيس الأوكراني خرج من التاريخ، حاله حال بانديرا.