بول الأشقرشاب يخرج من دهاليز النسيان والخطف، بعد عقود، ويلتقي بأهله، مستعيداً هويته المفقودة أو المسروقة. وقد تكون الضحية شابة أيضاً ، لا فرق، ما دامت هذه القضية تسلّط الضوء على إحدى أبشع جرائم الديكتاتورية الأرجنتينية. وبشاعتها هي التي أسهمت في جرّ المسؤولين عن هذه الأخيرة إلى المحاكم. والسبب أنها لم تكن مشمولة بالعفو، لسبب بسيط أنه لم يكن من الممكن الاعتراف بها.
مئات من الرضّع المسروقين بعد ولادتهم في المعتقل، بعد أن صُفّيت أمهاتهم، يعاد زرعهم في عائلات عسكرية كأن شيئاً لم يكن. أحياناً لم يعرف الأطفال الذين صاروا اليوم رجالاً ونساءً، أعمارهم بين 25 و35 سنة، أنهم ليسوا الأولاد الطبيعيين لهذه العائلات، وأحياناً يُقال لهم إنه جرى تبنّيهم بعد أن تركهم أهلهم.
وصار هؤلاء الشغل الشاغل لـ«أمهات ساحة أيار»، اللواتي مات الكثير منهن بسبب مرور الزمن، وتحولن إلى «جدات ساحة أيار»، واستمررن في البحث عن أحفادهن بعد أن فقدن الأمل بإيجاد أولادهن. أبيل مادارياغا الأب وفرانسيسكو الابن، جنباً إلى جنب، تختلط الضحكة بالدموع.
هذه المرة، المرة 101، المشهد أكثر تأثيراً إذا جاز التعبير. لعدة أسباب: إنه لقاء أب وابنه، إنه الابن الذي بحث عن أبيه ووجده. الأب هو الرجل الوحيد بين «الجدّات» ويعمل منسّقاً عاماً للمنظمة.
أما القصة فتبدأ في عام 1977 مع اعتقال سيلفيا كينتيلا، وهي مناضلة في منظمة «مونتونيروس» البيرونية اليسارية، أسوة بزوجها أبيل. كان عمرها 26 سنة وكانت حاملاً لأربعة أشهر عند توقيفها. بعد ذلك، لجأ أبيل إلى السويد، ومن هناك إلى المكسيك، قبل أن يعود مع الديموقراطية إلى الأرجنتين عام 1983. وبدأ يبحث عن طفله، عبثاً.. وفي بداية الشهر الجاري، يصل شاب عمره 32 سنة إلى مقر المنظمة ويطلب بأن تعمل له فحوص لأنه يشك في أنه أحد أولئك الأطفال المخطوفين. لماذا؟ لأن «والده»، وهو ضابط استخبارات، كان «عنيفاً جداً» في حقّه، ولأن «والدته» قالت له إنه طفل جرى تبنّيه بعد أن تركه أهله، ولأن أعزّ أصحابه «أجبروه» على القيام بالفحوص الثبوتية.
«إنه نمر مثل أمه»، يردّد إبيل الذي يتأمل معالم وجه ابنه قبل أن يضيف مبتسماً «حتى لو كان أنفه يشبه أنفي». «إنها حالة نموذجية» تقول هيبي بونيفاني إحدى المتحدثات باسم «الجدّات» اللواتي يعتقدن أنه ما زال هناك عشرات من الحالات المماثلة، «لأنها قد تشجّع أولاداً آخرين يشكّون في هويتهم على التوجه مباشرة إلينا أو إلى المحاكم». وقد استقبلتهم الرئيسة كريستينا فرنانديز نهار الخميس في القصر الجمهوري.