نيويورك ــ نزار عبودخاص بالموقع- أعاد حادث وقوع طائرة بوينغ 727 في الصحراء الكبرى ترتيب أولويات الأمم المتحدة، لجهة الأخطار التي تواجهها الإنسانية، حيث كشفت هذه الحادثة مصاهرة حقيقية بين التمرد والإرهاب وتجارة المخدّرات عبر خطوط صحراوية معقّدة تعتمد على الطائرات. أبطالها من عدة دول وانتماءات، بعضها عصابات للجريمة، والبعض الآخر دول ومنظمات إجرامية أو حركات تمرد تبحث عن موارد لتموين ديمومتها ولبسط نفوذها.
هذا الأمر جعل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يصف تجارة المخدرات بأنها الخطر الأول الذي يهدد السلم والأمن الدوليين. ودعا إلى مضاعفة التعاون من أجل التصدي لجريمة التهريب والانتشار المنظّمة التي تنذر بعواقب وخيمة على البشرية جمعاء. وقال بان، في كلمة أمام مجلس الأمن الدولي قبل بضعة أيام، «إن التعاون بين الحكومات بقي حتى الآن دون مستوى التعاون بين شبكات الإجرام المنظّم». وأضاف إنّ تهريب المخدرات بات المحرّك لـ«أعمال التمرد» في كل من أفغانستان وكولومبيا ومينمار، وينتشر من شرق أفريقيا إلى غربها، مروراً بالصحراء الكبرى ووسط آسيا وأميركا الجنوبية وحوض بحر الكاريبي، و«من شأن هذه الظاهرة أن تبدّد كل جهود الأمم المتحدة للمحافظة على السلام في تلك المناطق».
وتابع بان أن طبيعة التهريب الجارية عبر الحدود الدولية لا تفسح مجالاً لأيّ دولة في مواجهة الخطر وحدها، «هذا الصراع يحتاج إلى مبادرة دولية شاملة قائمة على شعور قوي بالمسؤولية المشتركة». كما ناشد الدول المستهلكة للمخدرات، وعلى رأسها الدول الغربية الغنية، تخفيف الطلب، يقابله توفير موارد تنمية بديلة في الدول المنتجة مع قطع طرق التهريب التي لا تعترف بالنظم السياسية ولا بالحدود.
يشار إلى أنه ربما كانت منطقة الشرق الأوسط الوحيدة التي لم تبلغ فيها جرائم المخدرات الحدّ الذي يهدد السلم والأمن الدوليين، حسب التقرير الدولي الأخير، مع أنها تعد من الأسواق الكبرى للاستهلاك والتداول، حيث تستفيد العصابات من الرعاية من مستويات رفيعة، والقدرة الشرائية المرتفعة.
بدوره حذّر مدير مكتب المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة، أنطونيو ماريا كوستا، من أن أفريقيا لم تعد مجرد معبر للمخدرات المنقولة من مناطق جغرافية أخرى، بل إنها تحولت إلى مركز للإنتاج والاستهلاك في آن واحد، بتمويل ممّن يُعتقد أنهم «إرهابيّون وقوات مناوئة للحكومات يجنون موارد اقتصادية كبرى من نشاط التهريب». ودعا إلى تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة والانتربول والمنظمات الإقليمية والمنظمات المتفرعة منها.
وشرح ماريا كوستا بواسطة الخرائط كيف أن تجارة الكوكايين، بدأت تنتقل عبر الصحراء الأفريقية نحو الغرب. وهناك نحو 35 طناً من الهيروين الأفغاني تهرّب سنوياً نحو شرق أفريقيا. وحسب دراسات الأمم المتحدة تتلاقى خطوط التهريب الأفريقية في التشاد والنيجر ومالي «حيث تحولت مادتا الكوكايين والهيرويين إلى ما يشبه العملة التي تُتداوَل بقيمة ثابتة». أما النقل، فيجري بطائرات بعضها من طراز بوينغ حيث عُثر على حطام إحداها في مالي.
وأعرب ماريا كوستا عن هلعه من الاكتشافات الجديدة بالقول، «من المخيف اكتشاف هذا الأسلوب الجديد، من العلاقة بين المخدّرات والجريمة والإرهاب، بالصدفة من خلال سقوط طائرة».