أرنست خوريتلقّت الجهود الإصلاحية التركية، في الأيام الماضية، ضربة من حيث لم تتوقّعها قيادة حزب «العدالة والتنمية». وكأنّ ضربات الأكراد وحظر حزبهم واستقالة نوابهم من البرلمان، ومن ثمّ عودتهم إليه تحت راية حزب «السلام والديموقراطية»، لا تكفي. وكأنّ أزمة العلويّين بدورها لا تكفي. فرح الأتراك بفتح الفصل الـ 12 الخاص بالمناخ في المفاوضات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي، فانفجرت قنبلة بطريرك الأرثوذكس برثلماوس، الذي رأى أنّ تعاطي الحكومة التركية معه ومع رعيّته أشبه بالصلب.
واختار برثلماوس منبراً إعلامياً ذا رمزية، وهو شبكة «سي بي أس» الأميركية، ليطلق انتقاداته القوية منه، ما دفع بوزير الخارجية أحمد داوود أوغلو إلى الردّ عليه، وهو أمر نادر الحصول.
ولم تقتصر مواقف البطريرك على اعتبار أنه يشعر بأنه يُصلَب في تركيا، بل رأى أنّ أعضاء الطائفة الأرثوذكسية في هذا البلد يشعرون بأنهم «مواطنون من الدرجة الثانية» ولا يتمتعون بكامل حرياتهم. كما اتهم حكومة أنقرة بأنها «تتمنى أن تغادر الكنيسة الأرثوذكسية الأراضي التركية، وهو ما لن يتحقق لها أبداً لأنّ اسطنبول امتداد للقدس ولا تقل قدسية عنها». وعند إصرار محاور برثلماوس، بوب سيمون، على معرفة ما إذا كان يُصلَب في تركيا، أجاب برثلماوس: «نعم أشعر بذلك».
كلام من العيار الثقيل لا بد أنه فاجأ حكام أنقرة، وخصوصاً أنهم يدرسون إعادة فتح معهد «هالكي» الديني في 2010، حسب صحيفة «حرييت». وتبقى قضية إعادة فتح المعهد الديني، الواقع في جزيرة هيبيلي والذي يخرّج الرهبان الأرثوذكس، المطلب الرئيسي لمسيحيي تركيا، وهو الذي تخرج منه برثلماوس في عام 1961، والمقفل منذ عام 1971. كما أن معضلة أخرى لا تزال تعكّر علاقة المؤسسة الدينية بالدولة التركية، يعبّر عنها استمرار رفض أنقرة الاعتراف بـ«مسكونية» بطريرك اسطنبول، أي تمثيله لـ 300 مليون مسيحي أرثوذكسي في العالم، وليس فقط الـ 2500 الذين يعيشون في تركيا.
هو كلام مفاجئ أيضاً لأنه نُشر بعد أيام من اجتماع رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان مع رؤساء الأقليات الدينية قرب اسطنبول، حيث شدد على مسامعهم على قرار حكومته السير بإصلاح أوضاع رعاياهم بالكامل.
أمام هذه المعطيات، ردّ داوود أوغلو بقوة أيضاً، جازماً بأن تركيا «لم تصلب أحداً ولن تفعل ذلك»، مستغرباً أن يصدر كلام كهذا عن «شخص مسؤول»، ومتمنياً أن تكون تلك العبارة «مجرد زلة لسان». كلام استوجب بدوره تعليقاً يونانياً عبّر عنه بيان لوزارة الخارجية في أثينا، حذرت فيه أنقرة من أنها «إذا رغبت في مواصلة مفاوضاتها الأوروبية، فعليها أن تحترم الحريات الدينية وحقوق الأقليات».
وبدا أنّ تصريح برثلماوس اتخذ مدى أوسع من المتوقّع، لذلك سارعت محامية البطريرك، كزبان حاتمي، إلى الكشف لصحيفة «توداي زمان» بأنّ موكّلها ينوي إصدار بيان في هذا الأسبوع لتوضيح كلامه وللحؤول دون وقوع «سوء تفاهم». وفي محاولة منها لتهدئة الخواطر، أشارت إلى أنّ المقابلة التي صدر فيها كلام برثلماوس سُجّلَت في أيار الماضي، لافتة إلى أنّ عبارة «الصلب» غالباً ما يتم تداولها في الأدبيات المسيحية. ولمزيد من التهدئة، قال مقربون من البطريرك لصحيفة «ملييت» إنه «لم يستهدف الحكومة بهذه العبارة، إنما كان يتحدث عن العقود الماضية الشاهدة على معاناة مسيحيّي تركيا».
وقد تزامنت هذه الأزمة مع صدور دراسة أجراها معهد «بيو ريسورش سنتر»، وجاءت نتائجها غير مناسبة بتاتاً لتركيا على صعيد حقوق الأقليات وحرية ممارسة الشعائر الدينية. فقد وضعت الدراسة تركيا في خانة الدولة رقم 14 من حيث القيود المفروضة على الديانات، علماً بأنّ السعودية تصدرت هذه اللائحة، تليها إيران وأوزبكستان والصين ومصر.