في الماضي كان الجندي الأميركي يعاقَب لمخالفته أوامر مرؤوسيه أو إذا ضُبط وهو يتعاطى المخدارت أو يبيع الأسلحة. لكن منذ بداية الشهر الماضي أضيف الحمل إلى هذه اللائحة
ديما شريف
أصدر الجنرال أنطوني كوكولو، المسؤول عن الجنود الأميركيين في شمال العراق، قراراً منع فيه المجندات اللواتي يخدمن في بلاد الرافدين من الحمل تحت طائلة التعرض لمحاكمة عسكرية قد تودي بهنّ خلف القضبان لمدة تتراوح بين سنة وسنتين. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، إذ يتعرض الجندي الذي سبّب الحمل، حتى لو كان الاثنان متزوجين، للعقوبة نفسها. كذلك يخضع للقرار نفسه المدنيون الذين يعملون مع الجيش في العراق.
وكان كوكولو قد أصدر القرار منذ الرابع من تشرين الثاني الماضي، ولم يعلنه الجيش إلا مطلع الأسبوع، ما أثار موجة غضب كبيرة بين جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة، وتلك الخاصة بحقوق الجنود.
وقال كوكولو إنّ سياسته الجديدة تهدف إلى تجنب فقدان أيّ من قواته الـ22000 التي يحتاج إليها، إذ ترسل المرأة الحامل مباشرة إلى أميركا بعد اكتشاف حملها. وأوضح أنّه يضع المهمة العسكرية أولاً.
وتأتي هذه السياسة لتُضاف إلى أخرى موجودة أصلاً في الجيش تمنع العلاقات العاطفية والجنسية بين الجنود ومرؤوسيهم، وأخرى تمنعهم من العلاقات مع عراقيين أو أي أشخاص ليسوا من جنود التحالف. إلى جانب ذلك، تشجع قيادة الجيش النساء فيه على تناول أدوية توقف دورتهن الشهرية كي لا يمنعهن شيء عن أداء واجبهن العسكري.
أعيدت أربع مجندات إلى أميركا لخرقهن قرار منع الحمل ونلن رسائل توبيخ
وأوضح المتحدث باسم الجيش الأميركي، الكولونيل ناثان بانكس، إنّ كلّ مسؤول له الحق في استحداث سياسة معينة يراها في مصلحة جنوده في مكان الخدمة. وأضاف أنّ بعض الجنرالات منعوا جنودهم من شرب الكحول، فيما آخرون سمحوا لهم بذلك.
ويبدو أنّ كوكولو اضطُر إلى اتخاذ هذه الخطوة نظراً إلى ارتفاع عدد المجندات الحوامل في العراق، وخصوصاً أنّ عدداً منهم يسعى إلى الحمل لإيجاد عذر للهرب من العراق وتفادي المهمات الخطرة.
وقالت رئيسة المنظمة الوطنية للنساء (N O W)، تيري أونيل، إنّّ الجمعيات النسائية لن تسكت عن هذا الخرق الكبير لحقوق المرأة في الجيش الأميركي، وسترفع دعاوى لقلب قرار كوكولو. وأضافت أنّ المنظمة ستتواصل مع وزير الدفاع روبرت غيتس والبيت الأبيض لمحاولة الضغط على كوكولو.
في المقابل، أرسلت أربع ممثلات للحزب الديموقراطي في الكونغرس رسالة إلى كوكولو للتراجع عن قراره. وورد في الرسالة أنّ القرار مهين للنساء ويتخطى الفهم والمنطق. ووقّعت الراسلة باربارا بوكسر من كاليفورنيا، باربارا ميكولسكي من ماريلاند، جين شاهين من نيو هامبشاير وكريستين غيليبراند من نيويورك.
وسرعان ما استجاب كوكولو للضغط، وخصوصاً بعد التناول الكثيف للموضوع في الإعلام الأميركي، فقال إنّه لن يحاكم النساء عسكرياً إذا حملوا. وأضاف أنّه حصل سوء تفاهم واعتذر عن استخدام عبارة «محاكمة عسكرية».
وأضاف أنّه رغم إصداره القرار لكنّه لا يتخيّل سجن جندي بسبب هذا الأمر. وأوضح أنّه كان يقصد أن يدفعهم القرار إلى التفكير قبل الإقدام على خطوة كبيرة كهذه، وخصوصاً أنّ المعنيين سيتركون رفاقهم في الجيش ويتخلون عن مهمتهم. وأضاف أنّ مَن هم خارج الجيش لا يفهمون ماذا يقصد، فالمهمة في العراق معقدة جداً، وهو يحتاج إلى كلّ فرد من قواته البالغ عددها 22000. وعاد وأكدّ أنّ قراره الجديد هذا لا يعني تخليه عن السياسة بمعاقبة الحوامل.
ومنذ بداية تطبيق السياسة الجديدة منذ ثمانية أسابيع، أعيدت أربع مجندات إلى أميركا لخرقهن قرار منع الحمل. ونالت الأربع، إلى جانب جنديين، رسائل توبيخ لن تبقى دائماً في سجلاتهم.
كذلك عوقب جندي ثالث عبر رسالة توبيخ دائمة لتسببه بحمل زميلته. ويعود عقابه المختلف إلى أنّه أرفع رتبة منها ومتزوج، فيما امتنعت المجندة الرابعة عن تحديد والد طفلها. وإلى جانب المجندات الأربع اللواتي حملن في العراق، أرسلت أربع آخريات إلى الوطن بعدما تبيّن أنّهن حوامل قبل قدومهن إلى بلاد الرافدين.
وانتقد البعض توضيح كوكولو أنّه لن يلجأ إلى المحاكمة العسكرية للحوامل لأنّها لا تعكس الهدف الأساسي من وراء الأوامر التي أصدرها. ويخاف بعض المراقبين من أن تؤدي هذه السياسة الجديدة إلى زيادة في عدد عمليات الإجهاض في العراق، وخصوصاً أنّ المستشفيات العسكرية لا تقوم بهذه العملية، ولا تنوي القيام بذلك قريباً، ما سيضطر المجندات إلى اللجوء إلى وسائل أخرى أو تناول أدوية، ما سيعرض حياتهن للخطر.