باريس ــ بسّام الطيارةلا شك في أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أثبت حسن قراءته للمعطيات السياسية، وأجاد التعامل معها بطريقة ماكيافيلية في كل مرّة كانت فيها مصلحته على المحك، وهو ما قاده مراراً إلى الإقدام على خطوات أُلبست تعابير سياسية متنوّعة، من أشهرها تعبير «القطيعة». ويرى البعض أن هذا النمط مهّد الطريق أمام ساركوزي للوصول إلى الإليزيه، رغم معارضة الرئيس السابق جاك شيراك وقسم كبير من محازبي الحزب اليميني الحاكم. وقد حلّق ساركوزي في فضاء القطيعة باختيار عدد لا بأس به من الوجوه الاشتراكية للمشاركة في الحكم، وهو ما دفع بالحزب الاشتراكي إلى التآكل والضمور.
ولا تتوقف مكيافيلية ساركوزي فقط عند استعمال سيف القطيعة، فهو لا يتردّد في استعمال أيّ وصفة أثبتت نجاعتها في السابق، كما بدا جلّياً في التشديد على الهجرة والمهاجرين والتركيز على «النفور اللاشعوري من الغريب»، عبر ربطها بالأمن واستطراداً بالبطالة من العمل، وهو ما يفعله في كل مرة تقف فيها فرنسا على أبواب انتخابات. وقد فعله هذه المرة بإطلاقه حواراً عن الهوية الوطنية، وصولاً إلى السؤال «من هو فرنسي؟».
إلا أنه يبدو أنه أدرك هذه المرة أن حافلة الحوار قد انزلقت إلى شفير خطِر، أدى إلى انقسام في المجتمع الفرنسي، وخصوصاً أن الحديث عن الإسلام والمسلمين يطفو إلى سطح الحوار. وتشير كل الدلائل إلى إمكان أن يقوم ساركوزي بـ«قطيعة مع مقاربته السابقة لملف المهاجرين». قطيعة يصفها مقربون منه بأنها جريئة جداً، وهي بالفعل هكذا في حال حصولها. وعلمت «الأخبار» من مصادر مقربة من الدوائر المنكبة على دراسة «خطوات تصحيح مسار الحوار حول الهوية الوطنية» أن الرئيس قد يعلن قريباً جداً «اقتراحاً بالسماح للمهاجرين بالتصويت في الانتخابات البلدية»، وهو ما يمكن برأي الجميع أن يستوعب بعض «شعور المهاجرين، وخصوصاً المسلمين، بالاضطهاد».
والأسباب التي تقوف وراء مثل هذه الخطوة كثيرة ومتعددة، منها السياسي والإيديولوجي؛ فقد بات ساركوزي واثقاً بأنه لن يستطيع تكرار عملية «خداع اليمين المتطرف»، كما حصل خلال الانتخابات الرئاسية. أدرك الجناح اليميني المتطرف في المجتمع الفرنسي أن ساركوزي «يلعب لعبته» وأنه لا يحمل أي إيديولوجية «يمينية محافظة»، والبراهين التي يسوقها هؤلاء كثيرة، وفي مقدمتها انفتاحه على «بعض أبغض وجوه اليسار بالنسبة إلى المحافظين الفرنسيين».
ولهذا، فإن غوص ساركوزي في مسألة الهجرة والمهاجرين لن يجلب أي مكسب انتخابي من ناحية اليمين المتطرف وجماعة جان ماري لوبن. إلا أن خلخلة البيت الاشتراكي والصراعات الشخصية داخله تفسحان مجالاً «لغرف أصوات لمن يعرف من أين تؤكل الأصوات»، وخصوصاً أن هذا الطرح كان قد سبق للرئيس فرانسوا ميتران أن جعله عام ١٩٨١ ضمن برنامجه الانتخابي، قبل أن يتناساه ويهمله الاشتراكيون.
ولا بد أن ساركوزي بات يعرف أن أكثرية من المواطنين تعارض هذا التأجيج الإثني في المجتمع الفرنسي. وجاءته تحذيرات كثيرة من معظم رؤساء الوزراء السابقين، من اليمين ومن اليسار، وبات هذا الملف يشق حزبه بعمق. وتقول مصادر مقربة من الإليزيه إن ساركوزي «يُعدّ مفاجآت كثيرة» لمن يحاول اتهامه بـ«نبذ المهاجرين وتوجيه أصابع الاتهام إليهم». ولكن السؤال هو هل سيُقدِم على خطوة يعارضها قسم كبير من محازبيه؟
يقول عارف بما يدور داخل حزب تجمع الأكثرية الشعبي إن ساركوزي «انزعج كثيراً» من التصريحات العنصرية لعدد من رجال الحزب في سياق التعليق على منع البرقع أو مسألة المآذن، وبدأ يعطي آذاناً صاغية لـ«ديغوليي الحزب التاريخيين» الذين يحذّرونه من أن التنازل لجان ماري لوبن، وركوب موجة شوفينية وتأجيج النعرات الطائفية يمكن أن تنقلب على الحزب، وترميه في ركن الأقلية، وتفتح الطريق واسعة أمام حزبي الوسط والخضر. ويذكر البعض بأن مسلمي فرنسا يمثّلون نحو «١٠ في المئة من الشعب، و٥ في المئة من الناخبين»، وأن الغالبية مندمجة، وليست كما تصوّرها بعض وسائل الإعلام.
وينتقد البعض «الدمج بين المهاجرين ومسلمي فرنسا» الذين يحق لهم التصويت كمواطنين. ويرى أكثر من مراقب أن ساركوزي، حتى لو قام بهذه «الخطوة الثورية»، فهو لا يزال يعمل حسب «منطق يدمج بين المهاجر والمسلم الفرنسي»، ويراه كـ«غريب». وما يدلّ على هذا المنطلق، الوعد الذي قدمه إلى رئيس المجلس الفرنسي للمسلمين، محمد موسوي، عندما استقبله في الإليزيه، وهو «زيارة المربع المسلم في مقابر نوتر دام دو لوريت»، حيث دُفن الجنود المسلمون الذين حاربوا تحت علم فرنسا. ويقول المنتقدون إن هذه الزيارة ستكون لـ«غرباء أتوا من المستعمرات مجبرين لا مخيّرين»، وقضوا تحت علم المستعمر، بينما المطلوب هو «التآخي مع مسلمين فرنسيين»، والكف عن التذكير بأصولهم.