حزب ساركوزي ينادي بعكس ما يفعله... و«الاشتراكيّون» يخشون اليد العاملة الرخيصةباريس ــ بسّام الطيارة
ازدادت أهمية عامل «الهجرة والمهاجرين» في السياسة الداخلية الفرنسية مع تراجع الاقتصاد، ما رفع البطالة بنسبة كبيرة وجعل من المهاجرين «كبش محرقة يأس الطبقات الشعبية الفرنسية»، قبل أن تأتي الأزمة الاقتصادية لتزيد من حدة هذا الشعور.
اليمين، مثله مثل اليسار، يستعمل عامل الهجرة كأداة انتخابية. يكذب اليمين كما يكذب اليسار في هذا الصدد. تبدو الصورة كأن اليمين يمسك زمام التشدد في هذا المضمار، بينما اليسار يمدّ يد الكرم والعطاء. إلا أن التدقيق في طروحات الفريقين يدل على «تعامل وصولي» في هذا الملف لا ينشد إلا كسب الأصوات. ظاهرياً تبدو الصورة واضحة: أخرج اليمين شعار «الهوية الوطنية»، ملوّحاً به لجذب أصوات اليمين المتطرف مع تهديد الأمين العام لحزب الأكثرية اليميني الحاكم، كزافيه داركوس، بمعاقبة أرباب العمل الذين يلجأون إلى اليد العاملة في السوق السوداء، أي لتشغيل المهاجرين غير الشرعيين. في المقابل، يدعو اليسار، بصوت سكرتيرة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري، إلى «تصحيح أوضاع جميع المهاجرين غير الشرعيين».
أما في الواقع، فإن الحكومة تستعدّ لتصحيح أوضاع «الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين»، بينما يتخوف اليسار من وصول هؤلاء «المصحّحة أوضاعهم» إلى سوق العمل ليأخذوا من فرص عمل العمال الفرنسيين والمهاجرين الرسميين الذين يمثّلون «قاعدتهم الانتخابية الكلاسيكية».
اليسار يطالب بتصحيح أوضاع المهاجرين، إلا أنه يتخوّف من وصولهم إلى سوق العمل
وتشير «برودة الوقائع الإحصائية» إلى أن المهاجرين غير الشرعيين يقومون بالأعمال التي «يرفضها الفرنسيون والمهاجرون المقيمون قانونياً». لذا باتت دوافع اليمين لفعل عكس ما ينادي به معروفة لدى المحللين الاقتصاديين، وإن بقيت بعيدة عن واجهة التصريحات الانتخابية. فقد أثبتت دراسات عديدة بأن اليد العاملة في السوق السوداء تؤدي دوراً في «الضغط على سلم رواتب العمال»، حسب مبدأ العرض والطلب، وبالتالي فإن توافرها يدفع النقابات إلى التخفيف من مطالبها، وخصوصاً في ما يتعلق بالقدرة الشرائية، وهو المطلوب حالياً لدى أرباب العمل الذين يدعمون اليمين الفرنسي المتمثل بفريق الرئيس نيكولا ساركوزي.
من هذا المنطلق، فإن الإعلان شبه اليومي عن تشدد في «ملاحقة المهاجرين المتستّرين»، ما هو إلا «فقاعات إعلامية» تعاكس حقيقة ما يحدث على الأرض. وقد كشفت آخر إحصاءات رسمية زيادة في عدد المعتقلين من المهاجرين غير الشرعيين من ٢٠ ألفاً إلى ١٠٠ ألف خلال السنتين الأخيرتين، وهو ما تعلنه أبواق الحكومة وتتبجّح به. إلا أن ما لا تقوله هو إن أكثر من نصف الموقوفين يفرج عنهم بعد ٢٤ ساعة من الاحتجاز ليعودوا و«يتبخروا في الطبيعة»، أي ليعودوا إلى أسواق العمل السوداء.
كذلك لا تقول بيانات الحكومة إن عدداً متزايداً من حكومات «الدول الفقيرة الموردة لليد العاملة غير الشرعية» ترفض استقبال مواطنيها، لما تمثله الأموال المحولة من طرفهم إلى «البلاد» من مساعدة قيمة لاقتصاداتهم المنهارة، وهو ما يجبر الشرطة بعد مدة قانونية، وحسب قدرة مراكز استقبال المهاجرين، على الإفراج عنهم ليعودوا إلى حلقة العمل السري، تليها حلقة الملاحقة فالحجز والمرور أمام القاضي ومن ثم العودة إلى الحرية وهكذا دواليك.
أما اليسار فهو يطالب علناً بتصحيح أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، رافعاً شعار «إقفال باب الهجرة». إلا أنه يتخوف في السر من وصول هؤلاء إلى سوق العمل لأسباب عديدة، منها الخوف من ردة فعل الطبقة العمالية من وصول يد عاملة تزاحمها في ظل الأزمة الاقتصادية وتراجع فرص العمل بشكل لم تشهده فرنسا منذ أكثر من ٢٠ سنة.
أكثر من نصف الموقوفين من المهاجرين غير الشرعيين يفرج عنهم بعد ٢٤ ساعة
كذلك، فإن مسؤولي اليسار، وفي مقدمهم أوبري التي شغلت منصب وزير العمل في حكومات فرنسوا ميتران المتعاقبة، يعرفون أن أي تسوية لأوضاع المهاجرين غير الشرعيين هو بمثابة نداء لموجات جديدة من المهاجرين الهاربين من أوضاعهم في الدول الفقيرة، ما يزيد من الضغط على الطبقات العمالية، ويساعد أرباب العمل على استعمال هذه الفئة لعدم تحسين شروط حياة العمال الشرعيين. مثل هذا الوضع يزيد من قوة اليمين المتطرف، الذي تعود أصواته في الجولات الثانية من أي انتخابات إلى اليمين الحاكم.
من هنا، فإن اتهام ساركوزي قبل يومين المعارضة الاشتراكية بأنها تمارس عمداً لعبة اليمين المتطرف ليس في محله مئة في المئة. كذلك الأمر حين تنادي أوبري التي رأت الأسبوع الماضي أن حزبها سيدافع عن عملية «تنظيم واسعة» لمن لا يحملون أوراقاً ثبوتية، ليست صادقة مئة في المئة، ما يعود ويحصر الحديث في «الهوية الوطنية». فهذا الشعار يحدّث «اللاشعور الفرنسي» عن المهاجرين من دون أن يلفظ اسمهم، ولا يستطيع خصومه محاربة شعار يحمل صفة «الوطنية» إلا أنه خطر ذو حدين، وخصوصاً عند مقاربته من زاوية المهاجرين من الجيل الثاني أو الثالث، أي العرب والأفارقة والمسلمين المنحدرين من مهاجرين كانوا سابقاً غير شرعيين وباتوا اليوم مواطنين فرنسيين يتعاطفون مع «أقاربهم» الذين يتبعون خطاهم في دخول المواطنية الفرنسية للوصول إلى حق التصويت.

وقال ساركوزي، في خطاب أمام كوادر حزبه، «كما استغلّ الحزب الاشتراكي في الثمانينيات الجبهة الوطنية للفوز في الانتخابات (عبر إضعاف اليمين)، فإنه، وقبل ثلاثة أشهر من الانتخابات، يحرّك هذه الورقة بما يرفع من شأن الجبهة الوطنية».