بول الأشقرليل الجمعة ـــــ السبت الماضي، تسلّل نحو 150 عنصراً من منظمة «القيادة الحمراء» إلى تلة القرود داخل فافيلا «التمساح الصغير» شمال مدينة ريو دي جانيرو على مقربة من ملعب ماركانا الأسطوري لكرة القدم. أتوا بالفانات والدراجات النارية ومشياً على الأقدام. كان هدف الغزوة الاستيلاء على نقاط بيع المخدّرات داخل التلة التي تسيطر عليها منظمة «أصدقاء أصدقائنا»، وهي النقطة الاستراتيجية المطلوبة للسيطرة على السوق الشمالي للمدينة. أقام الغزاة حواجز للصمود، فيما استدعوا حلفاءهم من التلال والفافيلات الأخرى.
والفافيلا ليست سوى التسمية البرازيلية للأحياء الفقيرة أو «أحزمة البؤس» التي تكبر كل يوم وتزحف باتجاه المدن الكبيرة، كما هي الحال في أكثرية مدن العالم. ما هو مميز في المقابل هو جغرافيا الريو: خليج خلاّب محاط بالتلال. وبما أن الأغنياء تجمّعوا على الساحل، بقيت التلال ـــــ بعكس العادة ـــــ للفقراء. وبالمناسبة، ليس مستوى العنف في ريو الأعلى بين المدن البرازيلية، ولا بين الدول الأميركية اللاتينية، ولكنّ الأضواء تبقى مسلّطة على ما يحصل في هذه المدينة لأنها الواجهة السياحية للبرازيل، ولأن فقراءها لا يزالون على التلال «فوق الأغنياء». لا بل أكثر من ذلك، ففقراء التلال يواصلون «تهديد» طمأنينة الأثرياء الذين يمضون حياتهم مذعورين من خطر أن يكونوا ضحايا رصاصة طائشة آتية من اشتباكات الأعالي.
«نقابة مجرمة» تدير أعمالها من السجون لتأمين الكوكايين للأثرياء
بعد أسبوعين على اختيار ريو دي جانيرو مقراً للألعاب الأولمبية لعام 2016، وبعد ساعتين على بداية المواجهة على تلة القرود، قرّرت شرطة الولاية التدخل في عملية روتينية. توجّه عناصرها لمحاصرة تلال فافيلا (التمساح الصغير)، وحلّقت طوافة فوق الحي لمراقبة ما يجري. هي حرب لا تنتهي بين المنظمات الإجرامية التي تتقاتل للسيطرة على تجارة المخدرات في المدن الكبيرة. «القيادة الحمراء» أكبر تلك العصابات، تليها «أصدقاء أصدقائنا». ولكن في البرازيل عموماً، تبقى المنظمة الأقوى هي «كوماندوس العاصمة الأول» التي أرهبت سان بولو في تموز 2006. منظمات تشكل نوعاً من «نقابة مجرمة» تدير أشغالها من داخل السجون، وتصل جذورها إلى الفافيلات حيث أبناء الحي «النقابيون» يحوّلونه إلى مستودع للمخدرات ـــــ الكوكايين للأثرياء، والكراك والماريوانا للآخرين.
جديد واقعة السبت الماضي أن بعض المتحاربين نجحوا في إسقاط طوافة، وأضافوا ركابها إلى لائحة ضحاياهم، فلم يبق على الشرطة إلا احتلال التلال. وانتشر 3000 عنصر من فرق التدخل لهذه المهمة التي ارتفعت حصيلتها إلى 26 قتيلاً بين عناصر شرطة ومجرمين وأبرياء فقراء. حالياً، تسيطر شرطة الولاية على تلال شمال ريو، ولكنها ستنسحب منها كالمعتاد بعد بضعة أيام لتعود الحياة إلى مجاريها الطبيعية.
تأثر العالم بالحدث لأنه حصل في ريو «الرائعة» التي ستكون عاصمة الألعاب الأولمبية. إذا كان ذلك سبب تأثّره، فقلقه في غير محله: أمن السيّاح والرياضيين الاستثنائي سيكون مضموناً حتى لو فرض ذلك احتلال الجيش المدينة، كما حصل في الألعاب الأميركية قبل عامين. أما أمن الفقراء اليومي في فافيلات البرازيل، فهذا موضوع آخر.