تذمّر في أوساط الدول المشاركة ينذر بتفسّخ الحلفنيويورك ــ نزار عبود
يبدو أن الحرب العالمية على «الإرهاب» تسير بتعثّر شديد، وربما تنازع قبل أن تلفظ أنفاسها ما قبل الأخيرة، بعدما بدأت تظهر للعيان عوارض تشقّق الحلفاء. والحجة الباقية لاستمرارها وتعزيز حامياتها أن سقوط أفغانستان في أيدي «القاعدة» و«طالبان» يعني تهاوي حجارة الدومينو، وسقوط العديد من الأنظمة من باكستان إلى شرق البحر المتوسط وشمال أفريقيا. فهل بدأ العدّ التنازلي لإيجاد «مخرج مشرّف» من أفغانستان؟ دلائل كثيرة تشير إلى ذلك.
في الأسبوع الماضي، استقال النائب العمالي، الضابط البريطاني الرفيع المستوى أيريك جويس، من منصبه مساعداً لوزير دفاع بريطانيا بوب أينسورث، وبرر قراره بأنه لم يعد يتحمّل زهق أرواح جنوده بهذا العدد، مؤكداً أن «الشعب لم يعد يستطيع قبول تبرير الخسائر في أفغانستان، تحت ذريعة أن الانسحاب يزيد مخاطر الإرهاب في شوارعنا».
لم يكتف بذلك، بل تشكّك في صدق تحالف شمالي الأطلسي في توزيع الأعباء وتحمّل الخسائر على قدم المساواة، بعدما خسرت بريطانيا، التي تحتفظ بـ9100 عسكري في أفغانستان، 41 جندياً خلال الشهرين الأخيرين فقط، لتصل الحصيلة الإجمالية خلال ثماني سنوات إلى 212 قتيلاً. كانت تلك أكبر خسارة شهرية تسجل منذ بداية الحرب. وقال جويس، في رسالة استقالته المفتوحة، «إننا بحاجة إلى عوائد جيوسياسية من الولايات المتحدة لقاء جهودنا».
وفي انتقاد لانعدام التوزيع العادل للمسؤوليات بين الدول الحليفة، قال جويس «بالنسبة إلى كثيرين، البريطانيون يقاتلون، ألمانيا تدفع (الثمن المالي)، فرنسا تحصي (التكلفة)، وإيطاليا تتفاداها». ومضى متشككاً في الانتخابات الأفغانية ونزاهتها.
وتأتي حججه لتعزز استياء الشارع البريطاني، الذي يشاهد قوات «إيساف» تقتل من المدنيين أضعاف ما تلحق الضرر بالمقاتلين. وفي إعلان صريح للعجز عن قدرة بريطانيا على مواجهة المهمة التي أوكلت إليها، دعا جويس إلى «المصارحة والالتزام بخفض عدد القوات كثيراً في الحكومة المقبلة، بدلاً من الخطط التي تقضي بزيادة القوات بتكلفة مادية باهظة تقدر بـ390 ألف جنيه استرليني سنوياً لكل جندي».
غير أن حكومة غوردون براون البريطانية، التي ورثت تركة متهالكة من رئيس الوزراء العمالي السابق طوني بلير، ليست قوية بما يكفي لاتخاذ قرارات مستقلة عن واشنطن. فالخسائر من القرارات المنفردة قد تكون أشدّ إيلاماً من الخسائر في الأرواح والمعدات. ولقد وضعت خططاً لتدريب 134 ألف جندي أفغاني تدريباً مكثفاً وجعلهم جاهزين للعمليات القتالية في نهاية

البريطانيون يقاتلون، وألمانيا تدفع، وفرنسا تحصي، وإيطاليا تتهرب
العام المقبل، أي أبكر من الموعد الأصلي بعام كامل.
خسائر البريطانيين تبقى عددياً أقل من الأميركيين الذين فقدوا حتى الجمعة الماضي 738 من أفراد القوات المسلّحة في كل من أفغانستان وباكستان وأوزبكستان، جرّاء الحرب الأفغانية. لكنّ عدد القتلى من المعارك يقتصر على 562. وبذلك تكون نسبة القتلى بين البريطانيين أعلى من أي نسبة أخرى. أمر يدل على أن الإنكليز، الذين خسروا حرب أفغانستان في أوائل القرن العشرين، عادوا ليلدغوا من جحرها مرة أخرى.
من ناحية أخرى، يتشكّك كثيرون في قدرة قوات «إيساف» على ضمان ولاء الجيش الأفغاني النفسي لها. فالطائرات الأميركية لا تتوقف عن قصف المدنيين بعشوائية.
وإذا لم يكن من الممكن ضمان ترجمة الزيادة العددية للقوات الأميركيّة إلى مكاسب عسكرية، فستتعثر أهداف الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي وعد في حملته الانتخابية بسحب القوات من العراق وتعزيز الوضع العسكري الأفغاني. ولقد باشر بالفعل سحب الكثير من القوات الأميركية إلى الكويت تمهيداً لنقلهم إلى أفغانستان مع معدات ثقيلة.
على أن الرأي الذي يكرره الجنرالات المخضرمون هو أن كسب الحرب على الإرهاب في أفغانستان يجب أن يقترن بإرسال الكثير من المهندسين وعلماء الاجتماع والمقاولين والمموّلين إلى البلاد التي زادت الأوضاع المعيشية فيها سوءاً. فالمطلوب كسب النفوس أولاً، وتقليص منسوب العداوة في صفوف الشعب الأفغاني ومعهم الجنود الأفغان. ذلك أن الكثير من العائدين من القتال في أفغانستان، وبينهم كبار الضباط في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، لاحظوا أن الجنود الأفغان لم يظهروا حماسة لمقاتلة قبائل الباشتون مثلاً، بل كانوا يطلقون نيران بنادقهم ومدافعهم بطريقة استعراضية، وغالباً ما يتخلّون في الليل عن المساحات التي كسبوها في النهار. وفي مثل هذه الحالة، تكون زيادة عديد القوات عديمة الجدوى.