قلق من الإنفاق ومخاوف من التأميمشهيرة سلّوم
حين كان باراك أوباما مرشحاً للرئاسة، اعتلى برنامجه الانتخابي عنوان: «الصحة للجميع عبر إصلاح النظام الصحي واعتماد الخيار العام». لم يفوّت مناسبة إلا وأعرب فيها عن تأثره البالغ بأن 45 مليون أميركي ليس لديهم ضمان صحي. وبعد انتخابه قال: «حان الوقت كي نلتزم بوعد تأمين نظام صحي لكل مواطن أميركي؛ إذا كان لديك نظام صحي، فخطتي ستخفض أقساطك، وإذا لم يكن لديك، فستتمكن من الحصول على التغطية نفسها التي يحصل عليها أعضاء الكونغرس أنفسهم».
المحاولة الإصلاحية التي يقوم بها أوباما سبقه إليها العديد من الرؤساء الأميركيين، الأخيرة لبيل كلينتون ( عام 1994) الذي فشل في تحقيق إجماع على خطته في الكونغرس؛ لهذا يتخوّف الديموقراطيون من تكرار سيناريو كلينتون، لأنه سيعدّ فشلاً سياسياً لهم، وهو ما حذّر منه رئيس شؤون الموظفين في البيت الأبيض، راحم عمانوئيل.
ولا يمكن فهم الخطة الإصلاحية بمعزل عن علّة النظام الصحي القائم حالياً في إحدى أهم الدول الصناعية في العالم، إذ إنها الوحيدة بين رفاقها الصناعيين التي «لا يحصل كل مواطنيها على تغطية صحية»، ويقوم القطاع الخاص بتوفير الخدمات الصحية. وقد صنّفت منظمة الصحة العالمية (عام 2000) النظام الصحي الأميركي بأنه «الأعلى كلفة في العالم»، ويقبع في المرتبة الـ72 عالمياً في مستوى الصحة الشاملة. وتتكبّد الحكومة الأميركية مبالغ طائلة على الصحة العامة بحيث باتت سبباً أساسياً في عجز الموازنة. أما نوعية الخدمة الصحية التي تقدّم لديها، فهي دون المتوسط، وفق غالبية المعايير.
وفي دراسة مقارنة لـ «كومون ويلث فاوند» عام 2008، صنّفت الولايات المتحدة في المرتبة الأخيرة بين 19 دولة شملتها المقارنة على مستوى الصحة. وبالنسبة إلى مستهلكي الخدمات الصحية، فهناك نحو 15.3 في المئة من الأميركيّين ليس لديهم أي تأمين صحي، أي ما يوازي 45.7 مليون نسمة.
في المقابل، فإن الولايات المتحدة، إضافةً إلى إنفاقها الكبير على الصحة، تتبوّأ أعلى المراتب العالمية في صناعة الأدوية، وهي الرائدة في مجال أبحاث الطب البيولوجي.
لذلك فإن النقاش في الولايات المتحدة، يتمحور حول الحق في العناية الصحية، الوصول إليها، عدالتها، فعاليتها، كلفتها ونوعيتها. ويعرض الأعضاء من الحزبين اقتراحات لتحقيق هذه الأهداف.
وإبان الحملة الانتخابية، عرضت الحملة الديموقراطية خطة أوباما ـــــ بايدن الصحية التي تقوم على: الاستثمار في أنظمة المعلومات التكنولوجية الإلكترونية للصحة، لتفادي الأخطاء الصحية وتعزيز الدخول إلى برامج إدارة الأمراض المحسنة، وتعزيز الشفافية وتقديم نوعية عالية من الخدمات الصحية، وخفض الكلفة من خلال زيادة المنافسة ومنع الشركات الخاصة من الاستغلال والهدر، والسماح للمستهلكين باستيراد الأدوية السليمة، ومنع شركات الأدوية من حرمان المستهلك الأدوية المطوّرة، والسماح للجهاز الطبي بالتفاوض على أسعار أدوية أقل كلفة، وتأمين التغطية الصحية الشاملة للجميع.
ودافع أوباما قبل أيام عن رؤيته لإصلاح النظام الصحي والضرورات الملحّة التي تستدعي التعجيل بإنجازه، إلّا أن البعض عدّه غير واضح بعد، ولا يعطي التفاصيل الكافية التي تشرح كيف سيجري توسيع الضمان الصحي ليشمل عشرات ملايين الأشخاص الإضافيين، من دون زيادة العجز.
لذلك أصدر البيت الأبيض تفاصيل لكن غير كافية عن التشريع، فقال إنه: «يتضمّن ضرائب جديدة، ويعمل على تغيير إهمال القانون، ويوفر أسهماً تأمينية وطنية عالية المخاطر، ولجنة لتصحيح أخطاء العناية الطبية، وإعفاءات ضريبية للمستهلكين، الأفراد، والأعمال الصغيرة، الذين لا يمكنهم تحمل كلفة التأمين». وأشار أوباما إلى كيفية تمويل الإصلاح مستعيناً باقتراج السيناتور جون كيري، الذي يتضمن فرض ضرائب على شركات التأمين على سياسات البوالص العالية الثمن.
ومن الاقتراحات البديلة عن خطة أوباما، تلك التي تقدم بها رئيس اللجنة المالية، الديموقراطي ماكس بوكوس، وتتضمّن فرض بدل جديد على السياسات الصحية الأغلى لشركات التأمين من أجل توسيع التغطية الصحية، وتأمين نفقات خطة الإصلاح. لكن هذا الاقتراح لا يتضمن «الخيار العام» أو «خطة تأمينية بإدارة الحكومة» كي تتنافس مع شركات التأمين الخاصة، وهو ما تريده غالبية الديموقراطيين، ويتخوّف منه الجمهوريون لكونه مدخلاً إلى «تأميم النظام الصحي». ويمكن صاحب العمل، من خلال هذه الخطة، أن يشتري التأمين الأرخص، فيحصل الموظف على تأمين أقل «ترفاً» عبر خفض الخدمات الصحية الخارجة عن الاستعمال. ويساعد هذا الاقتراح على تأمين نفقات الخطة الإصلاحية إذ يوفر 6 مليارات دولار في العام ابتداءً من 2010. لكنه لقي رفضاً من جانب شركات التأمين وغالبية الجمهوريين.
أما السيناتور الجمهوري جون ماكاين، فيسعى للحصول على تواقيع من أجل إعداد عريضة ضدّ خطة الرئيس برمّتها، إذ يرى أن اقتراح أوباما هو عبارة عن «نوع من إدارة حكومية للعناية الصحية بشكل واسع ومكلف جداً». ويعرض خطة تتضمن «أسهماً عالية المخاطر» وتقوم على استخدام الأموال الفدرالية لمساعدة المرضى، الذين يتكلّف علاجهم غالياً، على شراء بوالص التأمين.
ويواجه أوباما تحدياً أيضاً في معسكر الديموقراطيين، الذي يؤيد نظاماً صحياً شاملاً. ويعبّر السيناتور هرب كول عن هذا القلق بقوله «كلنا نتفهم أنه يجب أن نتقدم باتجاه تغطية شاملة، لكن لا أعتقد أننا نركّز أكثر على الكلفة».


«قيادة إلى الاشتراكيّة»(الأخبار)