بول الأشقرحصلت المفاجأة في هندوراس عندما لم يعد ينتظرها أحد. كانت الثالثة ثابتة؛ فبعد محاولتين فاشلتين، وبعد مرور نحو تسعين يوماً على اعتقاله فجر 28 حزيران الماضي في منزله، ونقله بطائرة بلباس النوم إلى كوستاريكا، عاد الرئيس الشرعي مانويل زيلايا فجر أول من أمس إلى بلده «بعد رحلة برية برفقة أربعة أشخاص دامت 15 ساعة، ولجأت إلى دروب ملتوية سمحت له باجتياز جبال وأنهر».
فاجأت عودة زيلايا حكومة الانقلابيّين ورئيس سلطة الأمر الواقع روبيرتو ميتشيليتي، الذي أصرّ على نفي الخبر طيلة ساعات، واصفاً أنباء العودة بأنها «مجرد إرهاب إعلامي». بقي رئيس الانقلابيين يتهكّم على روايات تقول إن زيلايا موجود في مبنى الأمم المتحدة في هندوراس وراح يكرّر: «أطمئنكم إلى أن السيد زيلايا موجود الآن في جناح في فندق في نيكاراغوا... والآن دعوني أعود وأمارس رياضتي الصباحية».
وبعد ساعات، أُعلن رسمياً وجود زيلايا داخل مبنى السفارة البرازيلية في العاصمة الهندورية في تيغوسيغالبا. وقال وزير الخارجية البرازيلي سيلسو أموريم إنّ برازيليا تبلّغت طلب استقبال الرئيس المخلوع «الذي عاد إلى بلده بوسائله الخاصة والسلميّة قبل ساعة من دخوله السفارة».
ومن داخل السفارة، حيث التحقت به عائلته واجتمع بمعاونيه، دعا زيلايا أنصاره إلى ملاقاته و«لحمايتنا من أي سوء تفاهم»، مشيراً إلى أنه عاد لـ«إطلاق حوار داخلي ودولي لإعادة الديموقراطية والانتظام الدستوري». كما كشف عن حضور الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية خوسيه ميغيل أنسولزا إلى تيغوسيغالبا، معرباً عن استعداده للقاء ميتشيليتي.
ولم يكن أمام زعيم الانقلابيين سوى إعلان حالة الطوارئ على كامل الأراضي الهندورية، والطلب من البرازيل «تسليم السيد زيلايا الملاحَق قضائياً للسلطات المختصّة». إجراء ألحقه بإقفال جميع مطارات البلد بعدما قررت منظمة الدول الأميركية إرسال وفد إلى هندوراس للتفاوض.
ومساءً، حاصرت قوات الجيش والشرطة مبنى السفارة البرازيلية، وشتّتت تجمعات أنصار زيلايا الذين فاق عددهم 5000 شخص أمضوا ليلتهم في الشوارع في تحدٍّ لقرار منع التجوال.
ويمكن اعتبار أن عودة زيلايا المفاجئة بمثابة «ضربة معلم»، لأنها حصلت بعد قطع دول أميركا اللاتينية علاقاتها مع سلطات الأمر الواقع تدريجياً، وبعدما شدّدت الولايات المتحدة عقوباتها، وهدّدت أوروبا بأخذ تدابير مماثلة. وأيضاً لأنها أعادت الكرة إلى ملعب حكومة الأمر الواقع، التي كانت حتى الآن تضيّع الوقت، مراهِنة على صمودها حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقررة بعد شهرين. تصعيد أصرت سلطات الانقلاب على انتهاجه رغم أنّ المجتمع الدولي هدّد بعدم الاعتراف بالانتخابات إن لم يشرف عليها زيلايا. ويرى عدد من المراقبين أن توقيت العودة كان العنصر الأهم في الحدث، لأنها حصلت عشية انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي يُرَجَّح أن يتحول ملف هندوراس والانقلاب وعودة زيلايا أحد أكثر المواضيع حضوراً في كلمات رؤساء الوفود في نيويورك.
تبدأ الآن مرحلة جديدة يتحوّل معها بقاء ميتشيليتي في الحكم ـــــ لا عودة زيلايا ـــــ إلى العقبة الرئيسية في البلاد، ولن يستطيع حكّام الأمر الواقع الاستمرار في سياسة العناد التي ميّزت أداءهم حتى الآن. وترى منظمة الدول الأميركية، وتحديداً الولايات المتحدة والبرازيل، في عودة زيلايا «فرصة جديدة للإسراع في إنهاء الأزمة». إنهاء يشدّد مسؤولو واشنطن وبرازيليا على أن يحصل بالاعتماد على تنفيذ خطة الوسيط الكوستاريكي الرئيس أوسكار أرياس، التي تتضمّن عفواً عامّاً عن جميع الارتكابات السياسية وعودة زيلايا بصلاحيات محدودة مترئّساً حكومة وحدة وطنية في الأشهر الأربعة الأخيرة الباقية من ولايته.
في جميع الأحوال، انتهت حقبة المماطلة في هندوراس.