ليس مستغرباً في باكستان أن تجد رجلاً في سدة الرئاسة اليوم وخلف القضبان أو المنفى غداً، فقد سبق لرجالات هذا البلد أن عاشوا هذه الحكاية؛ فهل حان وقت برويز مشرف لأن يخوض مغامرته؟
شهيرة سلّوم
منذ أكثر من أسبوع، استدعت المحكمة العليا، برئاسة افتكار تشودري، الرئيس السابق برويز مشرف أو من ينوب عنه للحضور إلى قاعة المحكمة من أجل الاستماع إلى شهادته، في ما يتعلق بدعوى انتهاكه الدستور في قرار فرض حال الطوارئ، الذي أصدره في 3 تشرين الثاني عام 2007. رفض مشرّف الحضور، ونفى أحد محاميه أن يكون قد تسلّم دعوى المحكمة في الأصل، فما كان إلا أن صدر حكم عدّ قرار فرض الطوارئ غير شرعي وبناءً عليه تُلغى جميع مفاعيله.
ورغم أن مشرّف خرج من الحياة السياسية بعد إجباره على الاستقالة، يبدو أن المعركة لا تزال مستمرة ضدّه. معركة قضائية يتولاها تشودري، الذي حاربه الرئيس السابق حتى الرمق الأخير من أجل إخراجه من رئاسة المحكمة العليا من دون أن ينجح. وفي بلد كباكستان تكثر فيه الوقائع التي تُشير إلى تسييس الأحكام القضائية، فإن احتمالات أن ينتهي مشرّف بالنفي أو السجن تبقى قائمة، ولا سيما إن أراد النفاذ من بوابة أي أزمة ليعود إلى السلطة.
فرئيس الحكومة الأسبق، نواز شريف، الذي انقلب عليه مشرف في 1999، وُجهت إليه وإلى شقيقه شهباز تهم فساد شتى، وسُجن ونُفي ثم عاد إلى الحياة السياسية عبر فوز حزبه في الانتخابات التشريعية في 2008؛ ومنذ أشهر خرج من التهم الموجهة إليه نظيف الكف واستعاد حقه في تسلّم السلطة.
أما حالة الرئيس الحالي، آصف زرداري، فلعلها الأكثر دلالة؛ إذ ليس القضاء الباكستاني وحده من لاحقه مع زوجته الراحلة بنازير بوتو بتهم الفساد والرشوة، بل محاكم سويسرا وبولندا وفرنسا. وبعد اغتيال الزوجة، عاد زرداري عبر الانتخابات الديموقراطية إلى السلطة وبات رئيساً للدولة بعدما برّأته السلطة القضائية من جميع التهم الموجهة إليه.
قصة مشرّف قد تكون مشابهة، فقد اندلعت الشرارة الأولى للمعركة ضدّه يوم أقال تشودري. لكن القضاء أعاد القاضي إلى منصبه، فما كان من مشرف، إلا أن فرض حال الطوارئ وغرقت البلاد في حال فوضى وعنف؛ اغتيلت بوتو وتراجعت شعبية الجنرال، خسر حزبه «الرابطة الإسلامية» الانتخابات وتسلّم الحكم غريماه، زرداري وشريف.
اتفق الرجلان في 7 آب 2008 على العمل من أجل دفع مشرف نحو الاستقالة وبدآ الإجراءات القانونية لعزله، إلى أن أعلن استقالته في 18 آب «من أجل باكستان».
اختفى الجنرال من الحياة السياسية. سافر من مكة إلى الشرق الأوسط وأوروبا. قُدمت إليه عروض مغرية، فعرضت عليه شركة العلاقات العامة العالمية «إمبارك أل أل سي»، التي تتخذ من شيكاغو مقراً لها، أن يكون متحدثاً رئيسياً باسمها (ما بين 150 إلى 200 ألف دولار بدل يوم عمل فضلاً عن تأمين الطائرة وغيرها من التقديمات الرفيعة المستوى).
ورغم ابتعاده، إلا أن السياسة بقيت تداعب خياله، وقد ألقى أخيراً خطاباً في فندق «آم واي كراند بلازا» في الولايات المتحدة، دعا فيه الى تفهم الحرب التي تخوضها بلاده ضدّ الإرهاب والتطرف. خطاب يبدو أن مشرّف أراد به العودة إلى الحياة السياسية، لكن المعركة القضائية قد لا تسعفه، على الأقل حالياً.