مع اعتقال الفرنسيين في الصومال، بدأ تتضح صورة الدور الذي تلعبه باريس في القرن الأفريقي، ولاسيكا لجهة اعتبارها أمنه موازيا لأفغانستان وباكستان
باريس ــ بسّام الطيارة
الوضع المتأزم في القرن الأفريقي كان حتى قبل يومين «مختبئاً تحت رماد التصريحات الفضفاضة»، رغم اعتبار جميع الخبراء أنه «يمثّل أكبر تحدٍّ إرهابي» اليوم، حسب تصريح مصدر أمني فرنسي لـ«الأخبار»، لأنه بخلاف أفغانستان والحدود الباكستانية «فإن الحرب في الصومال مفتوحة» أكان جغرافياً أم جيواستراتيجياً.
ويفسر هذا التقويم لما يدور في الصومال وجواره التعتيم على الصراع في المنطقة بين القوى الغربية والإسلاميين المتشددين الذين يحاولون السيطرة على هذا البلد، والذين يؤكد المصدر أنهم «يتلقّون دعماً من تنظيم القاعدة وينسقون معه عملياتهم».

تؤكد مصادر عديدة أن الفرنسيَّين المختطفين ينتميان إلى جهاز الاستخبارات الخارجية
ومن هنا يأتي خطف «الفرنسيَّين»، اللذين «اعترف» بيان وزارة الخارجية الفرنسية بأنهما «كانا في مهمة رسمية لتقديم المساعدة في المجال الأمني» إلى الحكومة المؤقتة التي يديرها الرئيس شريف الشيخ أحمد، إذ تؤكد مصادر عديدة أنهما من «جهاز الاستخبارات الخارجية» جاءا لتسريع ما سبق أن تعهدت به فرنسا في نهاية الشهر الماضي، أي تدريب كتيبة من صومالية في قاعدة في جيبوتي.
وكان هذا البرنامج قد أقر سابقاً ضمن حملة دعم الرئيس الصومالي، إلا أن «تسريع» العمل بالخطة جرى على ضوء تطور الأحداث بطريقة متسارعة وتقدم الإسلاميين الذين ينتمون إلى تنظيمي «الشباب المجاهدين» و«الحزب الإسلامي» للسيطرة على قسم كبير من العاصمة، مع تصاعد الحديث عن «وصول جهاديين أجانب إلى أرض الصومال»، الأمر الذي كان المتمردون قد اعترفوا به في وقت سابق.
ويبدو، حسب أكثر من مصدر، أن قرار فرنسا بـ«زيادة التزاماتها» يعود إلى فترة سبقت التوافق على «انتخاب» الشيخ شريف، إذ رأت باريس أن انهيار الصومال «يكسر قوس الأمن الاستراتيجي جنوب البحر المتوسط»، الذي يمتد من غرب أفريقيا إلى أفغانستان مروراً بدارفور وجيبوتي. وعلمت «الأخبار» أن الاتفاق على «مساعدة حكومة الصومال» جرى التوصل إليه في اجتماع أمني في بروكسل في ٢٣ نيسان الماضي، بعدما ترنّح حكم الشيخ أحمد، «الذي توافق على انتخابه المجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي»، حسب قول مصدر دبلوماسي فرنسي، في محاولة لمواجهة ازدياد عدد هجمات القراصنة على السفن التجارية.
وكانت أبرز إشارة إلى الدعم الأوروبي والفرنسي للحكومة الصومالية زيارة قائد سابق لأركان الجيوش الفرنسية، الجنرال هنري بنتيغيا، إلى جيبوتي ١٧ و١٨ حزيران، والذي يرأس اللجنة العسكرية في الاتحاد الأوروبي، وهي البنية العسكرية الأرفع فيه، التي تشرف على عملية «أتلانتا» المكلفة مكافحة القرصنة قبالة السواحل الصومالية، والتي مدّد الاتحاد الأوروبي مهمتها حتى نهاية السنة المقبلة ٢٠١٠، وتشارك فيها نحو ١٢ دولة من ضمنها فرنسا.
وبالتوازي مع عملية أتلانتا، أعلن المتحدث باسم هيئة الأركان الفرنسية، قائد السفينة، كريستوف برازوك، قبل أسبوع، أن عسكريين فرنسيين بدأوا الإبحار على متن السفن الفرنسية المخصصة لصيد الأسماك التي تنطلق من جزر سيشيل وتعمل في مناطق ينشط فيها القراصنة الصوماليون. ويشارك نحو ستين عسكرياً فرنسياً في هذه العملية، التي تأتي بناءً على طلب مالكي السفن ولا تندرج في إطار العمليات البحرية التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلسي في خليج عدن. ويذكر البعض أن فرنسا سبق لها أن حسمت بالقوة عمليتَي خطف رهائن فرنسيين، ما ينذر بأن تحتل أزمة القرن الأفريقي واجهة الأحداث في الأيام المقبلة، ما يشير إلى «عولمة الحرب على الإرهاب» وانتقالها إلى شرق أفريقيا.
وفي السياق، يمكن فهم تنديد منظمة «مراسلون بلا حدود» باستعمال جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي لصفة «صحافيين» في تغطيته لأعمال «أمنية». فقد عبّرت المنظمة عن «صدمتها من تصرف عميلي الحكومة الفرنسية». وقالت إن هذا التصرف «سيضع الصحافيين في خطر». ولكن السلطات الرسمية نفت ما تردّد عن استعمال عميلَيها هذه الصفة.