يعتبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، انتخابات الأول من تشرين الثاني المقبل طوق النجاة، أو الفرصة التي قد تتيح له ولحزبه استعادة الأغلبية النيابية التي تتيح له تأليف حكومة بشكل منفرد. يقود أردوغان الحملة الانتخابية بنفسه، في مخالفة للدستور الذي تعوّد تخطيه؛ وهو أفهم الأتراك أنه بمجرد أن تم انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب صيف عام 2014، حصل الانقلاب على الدستور عملياً.
أردوغان يقود الانقلاب على المعارضة

نشرت الحكومة قانون الإعلام الكيفي في الجريدة الرسمية من أجل الحد من نشاط المعارضة، إذ سمح لوكالات ووسائل الاعلام المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم بممارسة عملها دون قيود،
في الوقت الذي استغل فيه الرئيس التركي إنفجار سروج ليعلن الحرب على حزب العمال الكردستاني، ويُسقط عملية السلام التي كان قد مضى بها لأكثر من ثلاث سنوات. وبالرغم من اتضاح هوية الإرهابي الذي فجر نفسه، وانتمائه إلى تنظيم الدولة الإسلامية، لم يجرِ التوسع في التحقيق، بل استمرت الحرب على «الكردستاني»، التي أدت إلى مقتل أعداد كبيرة من رجال الشرطة والجيش، ما حمل بعض أهالي الأخيرين على توجيه اللوم إلى الحكومة.
وهاجم أردوغان حزب الشعوب الديمقراطي، متهماً إياه بتغطية ضربات «الكردستاني». لكن الحزب المذكور رد بدعوة الحكومة للعودة إلى محادثات السلام مع الأكراد، وحقن دماء الأتراك، ضحية سياسة إعادة الانتخابات. في هذه الأثناء، طلبت الحكومة اجتماعاً لحلف شمال الأطلسي، لأخذ شرعية محاربة «الكردستاني»، فيما حرصت الدول الأوروبية على السلام بين مكونَي النسيج الاجتماعي التركي. وُضع المواطن الكردي العادي بين خيار تلقي العنف، أو التصويت لحزب الشعوب الديمقراطي، وبدت الحرب واضحة التأثير في 12 محافظة في جنوب شرق تركيا، حيث تعيش أكثرية كردية.
وتبين أن بعض الهجمات على الأكراد العزّل كانت من صنع مجموعة تسمى «المواقد العثمانية»، المرتبطة مباشرة بأردوغان وبقصره، وهي استعملت إشارة «الذئب الرمادي»، التي تعود لحزب الحركة القومية، للتمويه على هوية منفذي الهجمات. مارست بعض الاحزاب القومية المتطرفة العنف ضد 128 من مقرات ومحلات وأماكن ترفيه تعود لحزب الشعوب الديمقراطي، وفي مناطق مختلفة، بعدما أُحرق المقر الرئيسي للحزب في أنقرة، وذلك بهدف ثني الأتراك عن التصويت للحزب، لمنعه من الحصول على 10% من الأصوات، وإبقائه خارج البرلمان.
أقدم أردوغان على عملية تطهير داخلية لحزبه، معتقدا أن الانسجام بين المكونات الأساسية للحزب يعزز فرص النجاح في الانتخابات المقبلة، فأبعد شريكيه، عبدالله غول وبولنت ارينش عن «المجلس التنفيذي وصناعة القرار»، واحتفظ مكرها بعلي باباجان، الذي يُعتبر من الاقتصاديين المفضلين للتعاطي مع الغرب. وكان أحمد داوود أوغلو المرشح الوحيد الذي أعيد انتخابه في قيادة الحزب.
اعتبر أردوغان أن الإعلام يخدم خصومه و»يروج للارهاب»، فهاجم مجموعة «دوغان»، مالكة قناة «سي ان ان تورك» وصحيفة «حرييت»، وهاجم أنصار «العدالة والتنمية» مقر الصحيفة، وتم تهديد وضرب بعض الصحافيين العاملين فيها. وبعد التفجير المزدوج في أنقرة، الذي استهدف تظاهرة دعا اليها حزب الشعوب الديمقراطي ونقابات مهنية وأحزاب يسارية، رفضاً للحرب على الأكراد، وللمطالبة بالعودة إلى محادثات السلام، اتهم اردوغان «الكردستاني» والاستخبارات السورية و»داعش» بالمسؤولية «الجماعية» عن التفجير، مع العلم أن التحقيقات أظهرت أن «داعش» وراء العملية. وتُعتبر قرية أديامان، التي ينتمى إليها أحد المفجرَين، وهو شقيق مفجر سروج، تُعتبر معقلاً لـ»داعش»، وفيها مئات الشباب العاطلين عن العمل. ارتبكت الحكومة، وحاولت توظيف العملية الأمنية التي نفذتها ضد 30 عنصرا من «داعش» في الانتخابات، فيما يحاول أردوغان كسب المعركة الانتخابية عبر الخطابات التي يلقيها على مسامع الأتراك، بعد إرغام كل محطات التلفزة التركية على بثها، دون استثناء، وعمله على خنق صوت الإعلام المناوىء له.

بعض الهجمات على الأكراد العزّل كانت من صنع مجموعة تسمى «المواقد العثمانية»

في هذه الأجواء، دعت مجموعة «توسياد الصناعية»، وهي نادي كبار رجال الاعمال في تركيا، لاحترام الديمقراطية، ورأت أن البلاد تمعن في التراجع الاقتصادي والاستقطاب السياسي الحاد. بات واضحاً أن أردوغان يقاتل بشتى الوسائل من أجل الهيمنة على الحياة السياسية، فيهاجم القوى التي أسقطت مشروعه الرئاسي، مستغلاً أدوات السلطة إلى أقصى الحدود، ومعتمداً أسلوب الترهيب والترغيب مع المواطن التركي.

استطلاعات الرأي والنتائج المتوقعة

يعي الجميع أن هدف «العدالة والتنمية» من إعادة الانتخابات التشريعية هو محاولة استعادته الأكثرية النيابية، وأنه إن لم يستطع ذلك، فسيضطر إلى التفاوض مجدداً حول تشكيل حكومة ائتلافية، علماً أنه يلوّح بإمكانية إجراء انتخابات ثالثة إن لم ينل مراده. واتفقت معظم استطلاعات الرأي على أن لا تحولات كبيرة في نوايا التصويت منذ الانتخابات الأخيرة في حزيران الماضي.
يتساءل الكثير من الناخبين حول أسباب الانخفاض الحاد لليرة التركية، وتصاعد الإرهاب فجأة وبسرعة قياسية، في ظل ترويج «العدالة والتنمية» لنفسه على أنه الضمانة الأمنية والاقتصادية.
وترى شريحة أخرى من الناخبين أن سبب تردي الأوضاع هو عدم ممارسة «العدالة والتنمية» للسلطة كاملة. ويمكن الاستنتاج أن لا تغييرات كبيرة في نوايا التصويت، رغم أن البعض ممن استنكف عن التصويت «للعدالة والتنمية» في الانتخابات الماضية، بهدف معاقبة الأخير على فساده وتغوله السياسي، بات يخشى حكومة ائتلافية، تذكره بالحكومات غير المستقرة في فترة التسعينات، ما يدفع هؤلاء للتصويت مرة أخرى للحزب الحاكم. ويُقدر حجم هؤلاء بـ1% أو 2% من الناخبين. ويمكن «للعدالة والتنمية» كذلك أن يحصل على أصوات بعض مؤيدي الحركة القومية، ممن ينتقدون عدم مرونة رئيسها، دولت بهجلي، والذي تميزت مواقفه بالسلبية تجاه كل الاحزاب. يمكن القول إذاً إن نسبة أصوات «العدالة والتنمية» ستزيد من 2الى 3 %، ما يؤشر إلى إمكانية أن يستعيد الحزب الغالبية البرلمانية. وفي حال لم يحصل ذلك، يمكن للحزب أن يذهب الى الائتلاف مع الحركة القومية، والتسبب بكارثة لتركيا. أما حزب الشعب الجمهوري فمن المتوقع ان يحافظ على نسبة الاصوات التي حصل عليها في 7 حزيران. كما يُتوقع أن يتمكن حزب الشعوب الديمقراطي مجدداً من تخطي سقف الـ10%، وحصوله على نسبة 12 أو 13% من الأصوات.