بدأت قتالها مع الخميني وانتهت «منظمةً للمنافقين»
معمر عطوي
منظمة «مجاهدي الشعب» الإيرانية، أو «سازمان مجاهدين خلق إيران»، هي أكبر وأنشط حركة معارضة إيرانية مسلّحة، تركت بصماتها الدموية على العديد من الأحداث التي مرّت بها إيران منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي، وخلال عهد الجمهوريّة الإسلاميّة.
فالمنظمة، التي تقوم فلسفتها على توليفة غريبة بين الإسلام والماركسية، لم تكن ضد الحركة الإسلاميّة بالمطلق، بل هي منذ البداية تحمل بعض المفاهيم الإسلامية، فيما يظهر معظم نسائها بالحجاب الإسلامي.
ولا شك في أن المنظمة، التي أسّسها مسعود رجوي في عام 1965 مع مثقّفين وأكاديميين إيرانيين بهدف إسقاط نظام الشاه، تأثرت إلى حد كبير بثورة رئيس الحكومة اليساري، محمد مصدّق في عام 1952 على الهيمنة الأميركية البريطانية. من هنا كانت المنظمة على عداء واضح مع أميركا، رغم التقارير التي تقول بدعم واشنطن لها من وراء الكواليس، وبأنها تسهّل لها على أراضيها وجود محطات تلفزيونية موجّهة ضد النظام الإسلامي في إيران، وذلك في سياق خطّة أميركية واضحة لدعم حركات التمرد ضد حكومة طهران، بغية إسقاطها، على طريقة زعزعة النظام من الداخل.
شاركت «مجاهدي خلق» في العديد من التظاهرات والعمليات المسلّحة ضد نظام الشاه، الذي أعدم الكثير من قادتها وأعضائها، واعتقل جهاز الأمن آنذاك «السافاك»، زعيمها مسعود رجوي لسنوات طويلة. أما إطلاقه من السجن فجاء قبيل بدء الثورة، حيث شارك مع التنظيمات الإسلامية واليسارية في دحر الشاه عن السلطة. وبعد سقوط نظام الشاه، ظهرت خلافات بين المنظمة ونظام الحكم الإيراني الجديد، بقيادة الإمام الخميني. خلافات تحولت بعد عامين ونصف عام من نجاح الثورة إلى مواجهة دموية شرسة بين عناصر المنظمة وعناصر السلطة. ولجأت «زمرة المنافقين»، كما يرغب النظام الإسلامي بتسميتها، إلى تفجير العديد من العبوات الناسفة التي أودت بحياة كبار قادة الثورة الإسلامية، منهم رئيس المحكمة العليا، محمد حسين بهشتي، ومعه 72 من النواب والوزراء وكبار المديرين في البلاد، في تفجير استهدف مقر حزب «جمهوري إسلامي».
كذلك قتلت المنظمة رئيس الجمهورية محمد علي رجائي ورئيس الوزراء محمد جواد باهنر في عام 1981، واغتالت العديد من رجالات الثورة ومفكريها. ومن ضحايا أعمالها، المرشد الأعلى الحالي للثورة، السيد علي خامنئي، الذي أصيب في يده اليسرى جراء إحدى هذه الهجمات.
في المقابل، أعدمت السلطات الإسلامية عشرات الآلاف من أعضاء «مجاهدي خلق» ومؤيديها، وهو ما دفع بمعظم قادتها، وفي مقدمتهم رجوي، إلى مغادرة إيران في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي بعدما استطاع توفير طائرة خاصة خرقت كل ترتيبات أمن المطارات بسرية مطلقة، وقادته إلى باريس، ليعلن من هناك مرحلة تصعيد التصدي للإمام الخميني.
وانضمت «مجاهدي خلق» إلى ائتلاف إيراني واسع معارض لحكم رجال الدين في طهران، يسمى «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية»، برئاسة مسعود رجوي، الذي يعمل كبرلمان إيراني في المنفى، ويضم 5 منظمات وأحزاب و550 عضواً شهيراً من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية والخبراء والفنانين والمثقفين والعلماء والضباط، إضافة إلى قادة «جيش التحرير الوطني الإيراني»، الذراع المسلّحة للمنظمة، التي تضم العديد من النساء في قيادتها.
حاولت الدول الغربية، ومنها فرنسا، مغازلة السلطات الإيرانيّة، بأن وضعت «مجاهدي خلق»، على لوائح المنظمات الإرهابية، ما اضطر القيادة إلى ترك باريس والتوجه إلى العراق، حيث أقامت هناك في العديد من المعسكرات، ولا سيما معسكر أشرف (شمالي بغداد، على بعد 100 كيلومتر من حدود إيران الغربية)، التي كانت تضم نحو 6000 عنصر، مدعومين لوجستياً وعسكرياً ومالياً من نظام البعث بقيادة صدام حسين، الذي استخدم المنظمة في حربه الطويلة مع إيران (1980ـــــ 1988).
أمّا وضع المنظمة في الغرب، فقد شهد تطورات لافتة خلال العامين الماضيين، إذ إنها، بعد معركة قانونية في المحاكم الأوروبية استمرت سنوات، ألغت محكمة العدل الأوروبية قراراً سابقاً من الاتحاد الأوروبي يقضي بتجميد أموال «مجاهدي خلق» بسبب إدراجها على «اللائحة الأوروبية للمنظمات الإرهابية». كذلك قررت دول الاتحاد الأوروبي الـ 27، رفع المنظمة عن قائمته للمنظمات الإرهابية. غير أن الولايات المتحدة لا تزال تضعها على لائحة المنظمات الإرهابية من عام 1997.
لكن واشنطن، التي حمت المنظمة منذ غزوها للعراق وتسلمت منها أسلحتها الثقيلة والمتوسطة، تضغط على الحكومة العراقية لإيجاد حلّ لها يضمن سلامة عناصرها وعدم عودتهم إلى بلادهم، حيث يمكن أن يواجهوا الإعدام. لكن المتحدث باسم الحكومة العراقية، علي الدباغ، أوضح إنه «لا وضع قانونياً يُجبر الحكومة العراقية على قبول المعسكر، غير أنها لن تجبر أحداً على مغادرة العراق رغماً عنه».
وأعلنت المنظمة أخيراً استعدادها للعودة إلى إيران إذا وافق «النظام الحاكم» في طهران على «شروط» حددتها مريم رجوي، منها عدم التعرض لعناصرها بالسجن أو القتل. أما طهران فقد عرضت أخيراً العفو عن عناصر الحركة من دون الزعماء، إذا عادوا إلى إيران وأعلنوا توبتهم.
وأمام هذه التطورات، يبقى أمام المنظمة خيارات ضئيلة، إما أن يُرَحَّل عناصرها الـ 3500، الباقون في العراق، إلى معسكر مقترح في باكستان أو في مصر، وإمّا أن تظل عرضة لهجمات القوات العراقية للإجهاز عليها وتفكيكها، أو أن يرحل أعضاؤها إلى دول الغرب في إطار لجوء إنساني.


مريم رجوي رئيسة في المنفىوساعدت مريم، إلى جانب مسعود رجوي، الذي لم يكن زوجها آنذاك، في تنظيم تظاهرات مناوئة للخميني. وفي عام 1985 كُلفت قيادة الحركة مع زوجها مسعود، الذي تزوجته في العام نفسه في باريس.
وفي عام 1987، أصبحت مريم نائبة قائد جيش التحرير الوطني. وأعلنت الحركة تصديقها على القيام بتوغلات في الأراضي الإيرانية.
وفي عام 1993، انتخب المجلس الوطني للمقاومة في إيران، الذي يطلق على نفسه حالياً «برلمان» المقاومة الإيرانية، مريم «رئيسةً» لحكومة إيران الانتقالية. وتخلت مريم بناءً على هذا القرار عن مناصبها في جيش التحرير الوطني والمنظمة، تاركة قيادة الحركة لزوجها.