اختتم البرلمان التركي، أمس، سلسلة جلسات مفتوحة بدأها منذ 12 أيار الماضي، وأنهاها بإقرار مشروع قانون مثير للجدل، يقضي بالسماح بتلزيم المنطقة الحدودية مع سوريا لشركة أجنبية لتنظّفها من الألغام وتستثمرها لمدة 44 عاماً قبل أن تعيدها إلى الحكومة التركية وهي صالحة للزراعة. ويكمن مصدر الجدل في أنّ إسرائيل هي في محور الموضوع. فقد اقتصر طلب «تنظيف» هذه المنطقة، حتى اليوم، على شركتين إسرائيليّتين، وهو ما قد أثار نواب المعارضة التركية لسببين: احتمال انفجار العلاقة التركية ـــــ السورية من جهة، وتعريض السيادة التركية لخطر الانتهاك من ناحية أخرى، وخصوصاً في ظل العلاقات التي تشهد مداً وجزراً (في العلن على الأقل) بين أنقرة وتل أبيب.
جميعها اعتبارات يبدو أنّ السفير الإسرائيلي لدى أنقرة غابي ليفي استعمل «سحره» بقوة لحلّها في «جلسة فنجان قهوة استغرقت 5 دقائق»، مع أحد قادة أحزاب المعارضة التركية، ليخرج النواب بتصويت 255 منهم لمصلحة القانون في مقابل معارضة 91 آخرين من أصل 550 نائباً.
ومشروع القانون هو فكرة رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان وحزبه «العدالة والتنمية»، اللذين دافعا عنه طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية في وجه معارضة شرسة سبق أن هددت بتقديم طلب نقض القانون ـــــ إذا أقرّه البرلمان ـــــ إلى المحكمة الدستورية.
وتمتد المنطقة الحدودية التركية مع سوريا على 510 كيلومترات، ينتشر فيها أكثر من 615 ألف لغم أرضي يعود تاريخ «زرعها» إلى أكثر من نصف قرن بهدف منع المقاتلين الأكراد من التنقّل بين سوريا وتركيا.
وينبع الدفاع المستميت لأردوغان وحزبه عن هذا القانون من خلفية الرغبة الكبيرة في مساعدة الاقتصاد التركي المتعثّر على النمو، وخصوصاً أنه يعيش أحد أسوأ أيامه، ولأن الزراعة من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد.
كذلك فإنّ البعض يرى أن تركيا مضطرة إلى إمرار النص لسبب قانوني. فأنقرة قد أقرّت «معاهدة أوتاوا» في عام 2003 التي تلزم الدول الأعضاء بتنظيف أراضيها من كل أنواع الألغام حتى عام 2014.
ودافع أردوغان عن فكرة تلزيم مشروع إزالة الألغام لشركات أجنبية بحجة توفير الأموال على الخزينة التركية، إذ إن القانون يعطي الشركة التي ستنال التلزيم الحق في أن تستثمر تلك الأراضي كيفما تشاء (بشرط عدم مخالفة القانون والسيادة التركيين) طيلة الأعوام الـ44 المقبلة، في مقابل أن تزيل كل الألغام وأن تعيد هذه الأراضي إلى الحكومة التركية صالحة للزراعة.
وقبل موعد الجلسة البرلمانية، أشار أردوغان إلى أنه «لا وجود لدولة محددة قدمنا القانون لمصلحتها»، لافتاً إلى أمله أن تنال شركة تركية (ostim) حقّ القيام بهذه المهمة، ومتهماً المعارضة بالوقوف ضد القانون لأسباب سياسية داخلية لا حرصاً على السيادة التركية.
ويُتوقَّع أن تكون الاجتماعات التي عقدها ليفي مع قادة المعارضة الرافضين للقانون محور تعليقات الصحافة التركية وانتقاداتها في الأيام المقبلة. فقبل وقت قصير من موعد اجتماع البرلمان للتصويت النهائي، أمس، وصل السفير الإسرائيلي فجأة إلى البرلمان، واجتمع مع القيادي في حزب «الشعب الجمهوري» شاهين منغو، بعيداً عن الإعلام. ورغم أن أي بيان لم يصدر عن الطرفين، إلا أن صحيفة «حرييت» رصدت اللقاء ونقلت بعض أجوائه. حتى إن زميل منغو، النائب عن «الشعب الجمهوري» أحمد إرسين، وضع زيارة الدبلوماسي الإسرائيلي في خانة «الضغوط الإسرائيلية الهادفة إلى التأثير على البرلمان التركي، في وقت بالغ الحساسية». وذهب إرسين أبعد من ذلك، منتقداً بشدة الزيارة، ومذكراً بالجولة الأخيرة التي قام بها ليفي إلى المنطقة الحدودية التي تمثّل مادة القانون المذكور. وقال «الآن ليفي في البرلمان. يبدو أن الإسرائيليين يريدون التأثير علينا، وهذا يوضح أن أردوغان وحزبه تعهّدا لتل أبيب بأن يعطيا حق استثمار الأرض لشركات إسرائيلية، وإلا فما المبرر الآخر لهذه الضغوط الهائلة التي تقوم بها السفارة؟».
بدوره، نفى منغو أن يكون ليفي تطرّق إلى ملف قانون تلزيم إزالة الألغام، بينما «هرب» ليفي بسرعة من مبنى البرلمان تاركاً أسئلة الصحافيين من دون أجوبة. وقال منغو، بعد اجتماعه مع المسؤول الإسرائيلي، «جاء ليفي ليشرب فنجان قهوة. وقد شرب فنجانه في 5 دقائق وغادر»، كاشفاً عن أن طلب الاجتماع جاء من سفير الدولة العبرية. ولدى سؤاله عمّا إذا كان ليفي قد مارس ضغطاً عليه لتليين موقف نواب حزبه إزاء القانون المثير للجدل، أجاب منغو «لو كان ملف القانون قد حضر في لقائنا، فكيف كنت سأجتمع معه من دون نيل موافقة حزبي المسبقة؟».
بدوره، اكتفى المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية عاميت زروق بتبرير اللقاء بالقول إنه «كان اجتماعاً روتينياً بين السفير وأعضاء في البرلمان».
(الأخبار)