أرنست خوريخطت تركيا، أول من أمس، خطوة مهمّة على طريق التصالح مع تاريخها. سيعود الأوّل من أيار عيداً وطنياً، كما كانت الحال قبل انقلاب عام 1980. قرار اتخذته حكومة رجب طيب أردوغان بعد 7 سنوات من الحكم ومن المطالبات المزمنة التي كانت تقف ضدّها تحت عدد من الذرائع، منها الكلفة المرتفعة التي يكبّدها التوقّف عن العمل، أو الخشية من انفجار التظاهرات في سيناريو شبيه بما حصل في الأعوام الماضية، أو حتى عدم الرغبة في مواجهة العسكر الحريص على محو أي حركة نقابية، وخصوصاً إن كانت تمتّ بصلة إلى اليسار.
خبر إعادة الاعتبار إلى عيد العمال ما كان ليصدّقه كثيرون نظراً إلى حساسية هذا التاريخ؛ ففي مثل هذا التاريخ من عام 1977 اندلعت حرب أهلية دامت 3 سنوات وأودت بحياة الآلاف. وقد انطلقت الشرارة في «أيار الأحمر»، عندما ارتكب أعضاء ميليشيات إرهابية فاشية مجزرة بحقّ 34 من العمال واليساريين الذين كانوا يحيون يومهم في «ساحة تقسيم» الشهيرة في إسطنبول. ومنذ ذلك التاريخ، منعت السلطات التظاهرات في هذه الساحة، إلى أن حصل الانقلاب العسكري في عام 1980، حين شُطب عيد الأول من أيار من لائحة الأعياد الرسمية.
ومنذ ذلك التاريخ بقي مطلب إعادة إحياء هذا العيد همّاً كبيراً في تركيا لدى كل من الشعب والعمال والحكومة ورجل الأمن. فقد تحول كل أول أيار من كل عام إلى موعد سنوي لاشتباكات عنيفة بين يساريي تركيا وقوى الأمن والجيش.
وكان العام الماضي قد شهد محاولة جدية لإعادة عيد العمال إلى الروزنامة الرسمية تحت اسم مستعار وهو «يوم الوحدة والتضامن»، بعدما كان اسمه قبل انقلاب عام 1980 «عيد الربيع ومهرجان الزهور». وقد اتفق حزبا «العدالة والتنمية» الحاكم (يمين وسط) و«الشعب الجمهوري» المعارض (يسار وسط) على مشروع قانون بهذا الخصوص، قبل أن يعود الحزب الحاكم ويغيّر رأيه. وحينها برر المتحدث باسم الحكومة كميل جيجيك رفض الحكومة إعادة تكريس عيد العمال بالقول إن ذلك «سيكلّف الأمة 2 مليار ليرة تركية» نتيجة التوقف عن العمل.
وجاءت ردود فعل النقابات الـ6 الرئيسية في تركيا مرحّبة بالقرار الحكومي الخاص بالعيد القديم ـــــ الجديد، حتى إنّ البعض رأى أن أهمية القرار توازي إقرار دستور جديد وأكثر ديموقراطية.
يبقى أن يُلغى قرار منع تظاهرات الأول من أيار في ساحة «تقسيم». وقرار السماح بإحياء عيد العمال في هذه الساحة منفصل عن إعادة إدخال عيد العمال إلى روزنامة الأعياد الرسمية، ولا تزال الحكومة مترددة إزاء ذلك خوفاً من تحوّل الساحة الأشهر في إسطنبول إلى ميدان حروب صغيرة من جديد.