يبدو أن المملكة التايلندية، التي شهدت 18 انقلاباً منذ عام 1932، هي على موعد مع انقلاب آخر، مع تحوّل تظاهرة المعارضة ذات القمصان الحمراء إلى مواجهات عنيفةبعد أقل من 24 ساعة على إعلان رئيس الوزراء التايلندي، أبهيسيت فيجاجيفا (الصورة)، حال الطوارئ في بانكوك وخمسة أقاليم مجاورة، استمرت مواجهات عنيفة أمس أدت إلى سقوط قتيل وجرح 91 شخصاً على الأقل، في أحد أحياء العاصمة، حيث أطلق الجنود عيارات نارية في الهواء لتفريق المتظاهرين ذوي «القمصان الحمراء»، الذين هاجموا القوات الأمنية بالقنابل الحارقة والحجارة، وأحرقوا حافلات كثيرة في الطريق المؤدية إلى مقر الحكومة التايلندية.
وكان محتجون موالون لرئيس الوزراء السابق ثاكسين شيناواترا يعتصمون أمام مقر الحكومة منذ أواخر آذار، مطالبين باستقالة ابهيسيت، الذي لم يصبح رئيساً للوزراء بنظرهم إلا بعد «مؤامرة برلمانية بتدبير من الجيش». وهم يريدون إجراء انتخابات جديدة سيكونون في وضع جيد للفوز بها.
وفي أعقاب مواجهات يوم أمس، شنّ الجيش التايلندي حملة على المحتجين، مطلقاً طلقات تحذيرية عند تقاطع طرق رئيسي في بانكوك على المتظاهرين الذين ردوا بإلقاء قنابل حارقة. وهاجمت قوات الجيش مراراً مجموعات صغيرة من المحتجين لفتح طريق رئيسي إلى خارج المدينة. وفي نقطة معينة، اصطف نحو 200 جندي عبر طريق مدعومين بنحو 200 من قوات مكافحة الشغب. وأقام الجيش حواجز طرق لوقف أصحاب القمصان الحمراء من العودة إلى منطقة مقر الحكومة.
وقال ضابط في الجيش إن الاشتباكات بدأت عندما طلب جنود من المحتجين رفع حواجز يضعونها منذ أيام عند تقاطع دين داينغ الذي يُعَد أهم التقاطعات في العاصمة. وأغرق المتظاهرون الطريق بالبنزين مهددين بإشعال النيران إذا تحركت القوات، وعندما تقدم الجنود أشعل المحتجون النيران في الحافلة.
مواجهات أجبرت ضراوتها الجيش التايلندي على التحذير من أنه سيستخدم «كل الوسائل المتاحة» لإعادة النظام إلى البلاد. وقال القائد الأعلى للجيش، سونغيتي جاغاباتارا، إنّ «قيادة العمليات الطارئة ستستخدم كل الوسائل المتاحة لإعادة النظام بسرعة وإعادة حركة السير لكي يتمكن الناس من استئناف حياتهم اليومية كالمعتاد». وأضاف: «لن نستخدم القوة لقمع شعبنا، لأننا مدركون تماماً أنّ جميع المتظاهرين تايلنديون. لكننا نحتفظ بحق استخدام السلاح في حالة الدفاع المشروع عن النفس».
وتأتي هذه الاشتباكات بعد يومين من تظاهرات لأنصار ثاكسين أدت إلى إلغاء قمة «آسيان» في منتجع باتايا الساحلي في جنوب تايلند السبت الماضي، حيث اضطر الزعماء الآسيويون الحاضرون إلى الهروب بطائرات هليكوبتر. وتمكّن المحتجون ـــــ وهم من أنصار الجبهة الموحدة للديموقراطية ضد الديكتاتورية ـــــ أول من أمس من احتجاز المدير العام لرئاسة الحكومة نيفون برومبان، وعدد آخر من المسؤولين. وذكرت وكالة الأنباء التايلندية «تي أن إي»، «أنّ صوت إطلاق نار سمع خلال عراك أمام مقر وزارة الداخلية لدى مغادرة فيجاجيفا المقر الذي اقتحمه المتظاهرون». وأظهرت مشاهد تلفزيونية المتظاهرين وهم يهاجمون سيارة رئيس الوزراء بالهراوات والحجارة والقضبان الحديدية والزجاجات الفارغة، ما أدى إلى تكسير إحدى نوافذ السيارة.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية سوباشاي جايساموت، إنّ «المدير العام لرئاسة الحكومة نيفون برومبان أصيب بجروح بالغة في الحادث، وقام المتظاهرون باحتجازه إلى جانب عدد آخر من المسؤولين الحكوميين أمام مقر الحكومة، فيما نجح رئيس الوزراء بالفرار».
وطالب جايساموت المتظاهرين بإطلاق سراح المسؤولين، لأن ذلك انتهاك للقانون، وخصوصاً أن نيفون مصاب بجروح بالغة.
وفيما حثّ فيجاجيفا المتظاهرين على المغادرة، متعهداً بحمايتهم، قال ثاكسين الذي يُجري اتصالات هاتفية ليلية مع انصاره من المنفى، إنّ الوقت الحالي هو «الفرصة الذهبية» أمام المحتجين للانتفاض على الحكومة. وكرر، من مكان في الخارج بقي سراً، دعوته إلى «ثورة شعبية»، مؤكداً أنّه مستعد للعودة إلى تايلاند ليقود انتفاضة شعبية إذا وقع انقلاب.
وشكر ثاكسين العسكريين على امتناعهم عن أعمال العنف حتى الآن، ودعاهم إلى الانضمام إلى المتظاهرين. وقال إنّ العسكريين «يمكن أن ينضموا إلى القمصان الحمر لمساعدتنا في الحصول على الديموقراطية من أجل الشعب».
يُشار إلى أن ثاكسين شيناواترا أطاحه انقلاب عسكري في عام 2006، وفرّ إلى خارج البلاد للإفلات من حكم وتحقيقات في قضايا فساد في بلاده. ومع ذلك لا يزال رجل الأعمال المثير للجدل يتمتع بشعبية واسعة، ولا سيما في المناطق الريفية في شمال البلاد.
(أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)