بيليم ــ بول الأشقربدأ المنتدى الاقتصادي الاجتماعي، قبل أيام، بمئات من الهنود يرسمون بأجسامهم عبارة «أنقذوا الأمازون». وسمح المنتدى، الذي حمل اسم «البان أمازوني»، بوضع هذه المشكلة الحامية في إطار أوسع، إن وطنياً أم قاريّاً.
وفي نظرة إلى الأرقام، تبدو فعلاً خيالية كيفما نظر إليها، لأن الحديث يجري عن أطول نهر وأكبر غابة في العالم. إذ يمثّل حوض نهر الأمازون 5 في المئة من مساحة الكرة الأرضية ويمتد على خُمسي مساحة أميركا الجنوبية، على أراضي البرازيل وكولومبيا وفنزويلا والبيرو والإكوادور وبوليفيا ودول الغويان الثلاث، ويحتوي على خُمس مياه الكوكب الحلوة وعلى أكبر ثروة من التنوّع البيولوجي، 15 في المئة من الأصناف النباتية والحيوانية في العالم.
للبرازيل الحصة الأكبر من الحوض والغابة، نحو ثلاثة أرباعهما. والمعضلة التي نوقشت في بيليم، «بوابة الأمازون»، كونية وليست محلية فقط. ليس معروفاً بدقة إلى أي حدّ قد يؤثر اختفاء الغابة على الاحتباس الحراري، ولكنّ دراسات حديثة دلّت على أن وقوع هذه الكارثة قد يؤدي بالتأكيد إلى تخريب نظام سقوط الأمطار في مناطق عديدة من العالم، ومنها الشرق الأوسط.
ويقول رئيس الإكوادور رافائيل كوريا، إن العالم مطالب بدفع فاتورة الموارد التي قد يطلب من دول الأمازون عدم استغلالها. بهذا المعنى، أسهم مؤتمر بيليم في الإضاءة على الجوانب الميكرو اقتصادية لهذه المشكلة شبه المستعصية. بالأرقام، وفي الغابة البرازيلية فقط، اختفى خلال آخر عقدين ما يوازي 20 في المئة من الغابة الأصلوأعطت بيليم الكلام للفئات المتضررة من هذا التآكل المستمر، بدءاً بالشعوب الأصلية مروراً بعمال أشجار المطاط وصولاً إلى السكان القاطنين على ضواحي الأنهر، ونضالاتهم لإنقاذ الغابة، التي تكلّف شهداء دون انقطاع، وأشهرهم الزعيم شيكو ميندس، الذي حاول قبل عشرين سنة توحيد كل هذه الفئات في مشروع تنمية مستدامة، قبل أن تسكته رصاصات ميليشيات «قانون الغاب».
ففي هذه المناطق الشاسعة، المصالح رهيبة: هناك الشركات الكبيرة الباحثة عن المعادن أو عن الموارد النباتية لتحويلها إلى أدوية أو أدوات تجميل. وهناك سارقو الخشب الثمين الذين يفتحون الطريق لحرق الغابة لمصلحة سارقي الفحم، ثم يأتي من يستولي بالقوة على هذه الأراضي غير الصالحة إجمالاً للزراعة ويحوّلها إلى مراعي للبقر أو إلى أراضٍ لزراعة الصويا. مسارات اقتصادية تتكامل ويضغط بعضها على بعض.
ويشار إلى أن الرصد الجوي صار مقبولاً والقوانين كذلك، ولكنها غير مطبّقة بسبب ضعف الإمكانيات، لأن إنقاذ الغابة سيتطلب موارد مالية هائلة، ولكن تبقى أقل من تلك التي صرفت ولا تزال تصرف لإنقاذ أصنام الأزمة المالية الأخيرة. فمتى يأتي وقت إنقاذ البشرية؟