انتزعت أفغانستان خلال العام الماضي لقب «أخطر مناطق النزاعات»، إذ اختتم 2008 على حصيلة مقلقة تشير إلى غرقها في «دوامة انهيار» تغذيها حركة تمرد ضارية، ما جعل البلد أولوية لدى الإدارة الأميركية الجديدة
مي الصايغ
تبدو أفغانستان اليوم في وضعها الأسوأ منذ عام 2001، وهي على أبواب شتاء قارس قد يتحول إلى حار بوجه قوات التحالف. فبعد سبع سنوات من الحرب، تمثّل أفغانستان نموذجاً فريداً مرده توسع تمرد حركة «طالبان»، واتخاذ مقاتلي الحركة من الحزام القبلي الباكستاني مقراً لتنظيم صفوفها والتخطيط لهجماتها، ما كبّل حركة قوات «إيساف» التابعة لحلف شمال الأطلسي، إلى جانب هشاشة الحكومة الأفغانية، التي يشتبه بتورطها في تجارة الأفيون المزدهرة، فضلاً عن تغلغل أمراء الحرب في المناصب الحكومية والشرطة والجيش وقطاع الأعمال، ليتحولوا إلى ميليشيات بأزياء مدنية يعملون في شركات أمنية أو أحزاب سياسية.
وبات الشعور بأن أمراء الحرب بحماية نفوذهم والتهديد بالعنف يستطيعون ارتكاب الجرائم من دون محاسبة، ما يهدّد بتقويض الحكومة التي تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها بناءها، ولا سيما أن حركة «طالبان» أعادت شحن عزيمتها، واضعةً هزيمة القوات الأجنبية نصب أعينها.
عزيمة ترجمتها عبر تمديد نفوذها، ومضاعفة الهجمات، ليبلغ عدد الضحايا في صفوف قوات التحالف أعلى مستوياته، حيث قتل 272 شخصاً، معظمهم من الأميركيين، ما جعل من عام 2008 الأكثر دمويةً في صفوف القوات الأجنبية المنتشرة في هذا البلد، فضلاً عن مصرع 1250 جندياً وشرطياً أفغانياً. وبطبيعة الحال، دفع المدنيون الثمن الأعلى للنزاع، إذ أحصت الأمم المتحدة، سقوط 1445 مدنياً، بينهم 393 قتلوا في ضربات جوية لقوات الاحتلال.
فقبل عام، كان وجود «طالبان» مقتصراً على نصف مساحة البلد. أما الآن، فباتت الحركة تمتلك «وجوداً دائماً» على مساحة تساوي نحو ثلاثة أرباع مساحة أفغانستان، وفق تقرير صدر في الشهر الجاري عن «المجلس الدولي للأمن والتنمية». ويؤكد التقرير قدرة مقاتلي «طالبان»على التسلل إلى كابول متى شاؤوا، وهو ما تنفيه السلطات في العاصمة.
أكثر من ذلك، أصبح مقاتلو «طالبان» يتحكمون في ثلاثة من أربعة مخارج تربط العاصمة بالمناطق المحيطة بها. فما حصل على الأرض في غضون عام يشير إلى أن الاستراتيجيات السياسية والعسكرية والاقتصادية لـ «طالبان» كانت أكثر نجاحاً من استراتيجيات الولايات المتحدة وحلفائها في حلف الأطلسي، الذين باتوا مقتنعين بأن حرب أفغانستان لا يمكن الانتصار فيها، وهم يتهامسون بشأن الحاجة إلى فتح قنوات دبلوماسية مع الحركة.
همسات اعتبرها قرضاي ضوءاً أخضر، فمد يده إلى زعيم «طالبان»، الملا محمد عمر، عارضاً عليه الحماية مقابل الاتفاق على إرساء السلام في أفغانستان، مستجدياً المملكة العربية السعودية لتكون عرابة الاتفاق. لكن الملا عمر قابله برفض أي انفتاح على حكومة كابول.
رفض يمكن وضعه في خانة عدم وجود حافز كبير لدى الحركة يدفعها باتجاه الذهاب إلى تسوية مع الحكومة الأفغانية الضعيفة، في وقت تصنّف فيه الحركة نفسها في خانة الرابحين. ويرى المراقبون أن ظروف الحوار مع «طالبان» لم تنضج، بانتظار تعزيز القدرات العسكرية لقوات التحالف، كي تتمكن من إمساك أوراق تمكّنها من المناورة من منطلق قوي.
ضمن هذه الاستراتيجية تعهد الرئيس الأميركي المنتخب، باراك أوباما، وضع الملف الأفغاني في مقدمة أجندته الخارجية، بعدما حصل العراق على حصة الأسد في اهتمامات الإدارة الأميركية الحالية. أولى الخطوات ستكون تعزيز القوات الأجنبية بنحو عشرين ألف عنصر، إضافة إلى العمل على زيادة عدد الجيش الأفغاني إلى نحو 134 ألف عنصر، وإخضاعه لمزيد من التدريب، كي يستطيع التخفيف عن كاهل قوات «إيساف».
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ خلص القادة الأميركيون والأفغان إلى ضرورة إسقاط تجربة «مجالس الصحوة العراقية» على الواقع الأفغاني. تجربة تُسلّح بموجبها القبائل الأفغانية للمساعدة على محاربة مسلحي حركة «طالبان»، وسط تخوفات من أن تؤدي هذه الخطوة إلى مزيد من سفك الدماء في البلاد لو انقلبت مجموعات قبائل البشتون على الحكومة.
فقد أثبتت السنوات السبع للحرب في أفغانستان أن المسألة ليست مرتبطة بزيادة القوات بمقدار الحاجة إلى مقاربة مختلفة تأخذ في الاعتبار قبائل البشتون وكيفية استمالتها عبر إشراكها في السلطة فعلاً، وليس عبر الرئيس حميد قرضاي، البشتوني بالاسم فقط.
وهذه الاستمالة لن تؤدي إلى النتائج المرجوة من دون تحالف أوسع يسهم في تطويق أفغانستان، ويضم الولايات المتحدة وحلفاءها وروسيا والهند وإيران. ومن هنا يمكن اعتبار مؤتمر الجوار الأفغاني، الذي احتضنته العاصمة الفرنسية مطلع الشهر المنصرم، الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل نحو أفغانستان مستقرة. كما لا يمكن إغفال نتائج مؤتمر الدول المانحة للمساعدة على إخراج البلاد من خانة خامس أفقر دولة في العالم، ولا سيما أن المساعدات السابقة ذهبت إلى أيدي المتعهدين الأجانب أو جيوب المسؤولين الأفغان.
ومع بداية العام الجديد، تشخص عيون الأفغان نحو صناديق الاقتراع، إذ سيتوجهون في الصيف المقبل لاختيار رئيس جديد من بين المرشحين قرضاي ووزير الداخلية الأسبق علي أحمد جلالي، وسط أنباء عن احتمال ترشّح المندوب الأميركي الحالي في الأمم المتحدة، زلماي خليل زاد، ذي الأصول الأفغانيّة.