strong>إضراب شامل للنقابات العمّاليّة اليوم يعمّق مأزق ساركوزييلبّي الفرنسيون اليوم دعوة النقابات العمالية للإضراب احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يعانون منها في أعقاب الأزمة المالية، ما يضع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أمام اختبار اجتماعي حاسم، وخصوصاً في ظل التوقعات بمشاركة فعالة تشمل مختلف التيارات السياسية

باريس ــ بسّام الطيارة
يستعد الشارع الفرنسي اليوم لاستقبال «الخميس الأسود»، الذي سيترجم بإضرابٍ شامل تشارك فيه مختلف النقابات، اعتراضاً على فقدان الثقة بالطروحات الاقتصادية لنيكولا ساركوزي، وخصوصاً في ظلّ الأزمة المالية التي تستنزف فرص العمل والقدرة الشرائية للمواطنين.
إضراب اليوم يمكن أن يشل كل المرافق في فرنسا، بعدما دعت إليه تقريباً جميع النقابات، بهدف «المحافظة على فرص العمل ورفع مستوى القوة الشرائية». وتشير كل استطلاعات الرأي إلى أن ٦٩ في المئة من الفرنسيين يؤيّدون هذا الإضراب الشامل، ما يدل على تفاقم «الضيقة الاقتصادية في الأوساط الشعبية» وفقدان الثقة بطروحات ساركوزي، وخصوصاً في شقها الاقتصادي. وكما هي الحال في حالات مماثلة، فإن تراجع الثقة يرافقه تراكم محطات الاستياء وتوسّعها لتطال مرافق متعددة من المجتمع، وهو ما يشكل مصدر القلق الرئيسي. وبحسب المراقبين، فإن فرنسا لم تشهد إضراباً مماثلاً منذ منتصف الستينيات. فقد تداعت جميع نقابات النقل لشل حركة المواصلات منذ الساعة الثامنة من مساء أمس حتى الساعة الثامنة من صباح اليوم، ما يعوق أي إمكان لتجاوز الإضراب عبر تغيير ساعات العمل في بعض المصانع، وكل ذلك بهدف إجبار العمال على التعطيل يوم الإضرابكذلك لن يشهد قصر الإليزيه، بحسب موقعه على الانترنت، أي نشاط رسمي اليوم، فلا استقبال مبرمجاً ولا لقاء معلناً للرئيس، وهو ما دفع بالعديد من المدوّنات إلى تناول هذا «التجاوب المكره» من ساكن الإليزيه مع حركة مواطنيه. كذلك وبخلاف المرات السابقة، فإن شرائح واسعة من «يمينيّي» الرأي العام ستتجاوب مع الحركة العمالية وتستعد للنزول إلى الشارع، لمطالب اعتقد اليمين السياسي لبعض الوقت أنها «خاصة باليسار». وقد تجلى هذا التحوّل في التصويت الأخير على منح الثقة للحكومة أول من أمس، إذ أظهرت نتائجه أن الحكومة حصلت على ٢٣١ صوتاً، بينما يبلغ عدد نواب الأكثرية «من حيث المبدأ ٢٨٩ نائباً»، ما يعني أن هناك ٥٨ نائباً يمينياً كانوا يفضلون «سقوط الحكومة».
والأسباب التي يبنى عليها «تململ المواطن الفرنسي» كثيرة، فالقطيعة التي وعد بها ساركوزي تطال منذ أسابيع كل الممارسات في الحياة السياسية الفرنسية: فبعد الانتقادات التي وجهت له بسبب «لعبة الكراسي الموسيقية» التي يمارسها عبر تبديل الحقائب الوزارية وتبادل المراكز مع حزب الأكثرية الشعبية الحاكم، مثل الطلب من وزيرة العدل الفرنسية رشيدة داتي خوض الانتخابات الأوروبية، أو «الهرج والمرج» الذي رافق الدورة النيابية الأخيرة ومقاطعة نواب المعارضة للمرة الأولى منذ نصف قرن جلساتها التشريعية.
وذهب ساركوزي أبعد من ذلك، إذ حضر في نهاية الأسبوع الماضي بصفته رئيس الجمهورية المؤتمر الوطني لحزبه الحاكم، ليظهر بصورة فريق لا حكماً، كما تفرض «ممارسات الجمهورية الخامسة». وبادر ساركوزي ـــــ الذي لم يعد خافياً على أحد أنه يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية مرة ثانية ـــــ للحديث مع محازبيه بقوله «سعادتي شبيهة بسعادة من يعود لعائلته»، كما لم يتردد في الاعتراف أمامهم بأنه «بحاجة إليهم».
وفي هذا الإطار، يفسّر البعض عملية «إمساك ساركوزي بآلة حزبه» بأنها تأتي بسبب معرفته بالعواصف التي تنتظره في الأشهر المقبلة، على صعيد الوضع السياسي الداخلي الذي بدأ يتغيّر منذ أشهر لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالأزمة العالمية وانعكاساتها على الساحة الداخلية وتبيان واقع «تأثير الأزمة على فرنسا بشكل بالغ» وهو ما حاولت الدولة إخفاءه، إضافةً إلى تفاقم البطالة وتأجج الحركات العمالية. ومنها ما هو سياسي بحت يعود للمجهود الذي تقوم به الأحزاب اليسارية لتقويم وضعها مستفيدةً من مفاعيل الأزمة المالية وتراجع إمكانات الحكومة لتحقيق أيّ من وعودها.
ولا يقتصر الخطر السياسي على المعارضة الرسمية فقط، بل بدأ يطاول حزب الوسط الجديد الذي يرأسه وزير الدفاع هيرفيه موران، الذي أعلن أنه يفضل «عدم الانصهار في حزب الرئيس والمحافظة على استقلاله»، وخصوصاً أن بعض الديغوليين التاريخيين في حزب الأكثرية الشعبية انضموا، عن اقتناع أو بغير اقتناع، إلى تيار رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان، الذي لا يترك مناسبة إلا ينتقد الرئيس وحكومته.
كذلك ينظر ساركوزي وحزبه إلى موعد الانتخابات الأوروبية بعد عشرة أشهر، باعتبار أن نتيجتها يمكن أن تفرض «موازين قوى جديدة داخل الحزب»، وخصوصاً أن عدد المحازبين قد تراجع وأن هناك امتعاضاً من إيريك بيسون، الملقب بـ«الخائن» بسبب خيانته لسيغولين رويال في خضم الانتخابات الرئاسية وانتقاله لتأييد ساركوزي.