نيويورك ــ نزار عبوددخلت محكمة الجنايات الدولية قفص الاتهام قبل إدخال متّهميها، لأن كل الاتهامات التي أطلقتها بارتكاب جرائم حرب باتت تقع في حقل الرماية الأميركي ـــ الأوروبي في أفريقيا.
في أوغندا، صدرت مذكرة توقيف بحقّ أحد قادة المتمردين بادي أنكوندا، وفي السودان صدرت خمس مذكرات بحقّ قائد الجنجاويد علي كشيب، ووزير الشؤون الإنسانية أحمد هارون، ووجّهت تهمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية بحقّ رئيس السودان عمر حسن البشير. كما صدرت اتهامات بقتل موظفين وأفراد من قوات حفظ السلام في دارفور على يد ثلاثة من قادة المتمردين في الإقليم المضطرب.
وثمة قضايا أخرى في الكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث المناطق التي تعجّ باللاجئين الفارّين من حروب أو تعاني من صراعات مسلّحة مزمنة.
على أن المنتقدين لأداء محكمة الجنايات الدولية يتساءلون لماذا لم يعمد المدعي العام لويس مورينو أوكامبو حتى إلى مجرّد إبداء رأي في مئات آلاف الجرائم التي ارتكبت وترتكب في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان والعديد من دول آسيا وأميركا الشمالية والجنوبية والوسطى. ويمضون إلى أبعد من ذلك ليتساءلوا عن العلاقة بين نشاط المحكمة والبرنامج الاستعماري المتجدّد في أفريقيا.
الفرنسيون والبريطانيون والبلجيكيون والأميركيون والإيطاليون لا يخفون استعدادهم لاستخدام مجلس الأمن لوقف إصدار مذكرة توقيف بحق البشير لقاء تنازل مهمّ من حكومة الخرطوم، وهو تسليم كشيب وهارون. خطوة من شأنها جرّ البشير إلى المحاكمة في وقت لاحق لأن المتهمين سيقولان أنهما كانا ينفذان أوامر عليا.
وضع مشابه لما يجري في شمال أوغندا، حيث هناك مساومة مع قائد إحدى المجموعات المتمردة الملازم بادي أنكوندا لإسقاط التهم عنه في حال توقيعه على معاهدة سلام مع الحكومة.
على أنه بالنسبة إلى السودان، لا تقف حكومة الخرطوم وحدها ضد إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني. بل هناك لفيف واسع من الكتل الكبرى المعارضة في الأمم المتحدة.
ربما هذا الوضع جعل قضاة محكمة الجنايات يرجئون إصدار المذكّرة، وجعل أوكامبو يستميت من أجل إقناع أعضاء مجلس الأمن الدولي في جلسة الثلاثاء، ليس فقط بضرورة «تطبيق العدالة ومحاسبة مجرم الحرب».
والمجلس وحده قادر على استخدام المادة 16 من نظام معاهدة روما التي تأسّست محكمة الجنايات الدولية بموجبها لإيقاف إصدار مذكرة التوقيف بحقّ الرؤساء. لكن القضاة يتردّدون في إصدار المذكرة حتى من دون تحرّك المجلس خشية التبعات الأمنية المترتّبة على قرار كهذا. ومعهم تتردد الدول المتاخمة للسودان نظراً لأن الوضع الأمني الهشّ قابل للانتشار السريع إليها.