تواظب شعبية الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، على الارتفاع رويداً رويداً، في مؤشر يحمل الكثير من التناقضات، دفع خبراء في توجّهات الرأي العام والسياسة إلى الانكباب على دراستها، ولا سيما أن إجراءاته تعمل على تغيير وجه فرنسا
باريس ــ بسّام الطيارة
مع بداية عهد نيكولا ساركوزي، «وقبل أن يبدأ تنفيذ أي من وعوده الانتخابية»، التي رأى فيها أخصامه السياسيون «مواد تنفير» يمكن أن تزيد من ابتعاد المواطنين عن تأييد مشاريعه الإصلاحية، تدحرجت شعبيته إلى درك لم يصل إليه أي رئيس جمهورية سابق، وخصوصاً أنه فتح في آن واحد مجموعة من الملفات التي أنزلت إلى الشارع التظاهرات واستفزّت نقابات العمال والموظفين لسلسة إضرابات شحنت الأجواء الاجتماعية وعبّأتها بانتظار انفجار لم يأت.
جاءت الأزمة المالية العالمية مع رئاسة فرنسا الدورية للاتحاد الأوروبي. ورأى الجميع أن «ساركوزي سوف يقع في مطبات تناقضات ضرورات معالجة الأزمة على الصعد الأوروبية والعالمية والداخلية»، وخصوصاً أنه كان قد بدأ «حملة شد حزام الإنفاق في الداخل»، بينما تطلبت معالجة الأزمة «فتح أبواب الإنفاق العام» لمصلحة المصارف والشركات الكبرى التي سبق له أن «دلّلها ضرائبياً» منذ وصوله إلى الحكم.
الآن وقد بدأت آثار توجهات «مشاريعه الإصلاحية التي وعد بها» تظهر وينتقدها كثيرون، بمن فيهم عدد من نواب الأكثرية الحاكمة، يتابع مؤشر شعبيته الارتفاع رغم أن آفاق الجو الاجتماعي مكفهرّة على صعيد تململ العمال من تراجع القوة الشرائية ومن موجات التسريح التي بدأت تشهدها المصانع والشركات الكبرى، إضافةً إلى بوادر ركود اقتصادي مستديم مع تراجع عروض القروض لدفع عجلة الاستهلاك.
إعلان ساركوزي مجموعة خطوات مالية لدعم الشركات الكبرى وبث سيولة في الآلة الاقتصادية الفرنسية يأتيان في سياق القرارات الأوروبية والعالمية، ولم يلتقط منها المواطن الفرنسي سوى «أن الحكومة سوف تدفع ديونها المتأخرة للشركات» بنحو ١١ مليار يورو، وأنها سوف تدعم شركات صناعة السيارات وتنفخ روحاً في شق العقارات والبناء الجديدة عبر عدد من الحوافز الضرائبية. أما التفاصيل، فقد عبرت مباشرة من عناوين الصفحات الأولى في وسائل الإعلام إلى الصفحات الداخلية المتخصصة، وكأنها لا تهم «المتلقي الفرنسي» وأنها فقط تفصيلات تقنية لا تقدم ولا تؤخر.
وقد لا يفيد هذه المرور السريع على إعلان خطوات يراها مقربون من الإليزيه «ثورية لنهضة فرنسا بعد تعثر دام ٣٠ سنة» في دعم شعبية ساركوزي، ولكنه يشير، إن لزم الأمر، إلى أن «المواطن الفرنسي لم يعد يقتنع بالوصفات التي تركبها الحكومات المتعاقبة» ولا يثق بإمكان أن تعالج ما بات يعتبره «أمراضاً مزمنة» مثل البطالة المتزايدة وتراجع القوة الشرائية وفقدان الأمن الاجتماعي.
ورغم أن نقاط ضعف هذه الهيكلة تعود إلى ما قبل عهد ساركوزي، فإن ما يجعله في «عين الانتقاد» هو أن معالجاته تذهب في «الاتجاه نفسه» الذي ذهبت به «الحكومات المتعاقبة منذ ٣٠ سنة». وحتى إعلانه عن «موجة مشاريع كبرى»، وهو شعار ديغولي تحمله اليوم أحزاب اليسار، يقع في آذان المواطنين كأنه «مساعدة مباشرة للشركات الكبرى» أكثر منه دفعاً لعجلة الاقتصادية.
ويدفع هذا المراقبين إلى القول إن «التناقض بين ساركوزي والرأي العام لن يأتي من باب الاقتصاد بل من باب القضايا الاجتماعية»، التي يعمل بها «منشاره الإصلاحي» لتغيير وجه فرنسا.
ويشير هؤلاء إلى عدد من الملفات ــ منها ما عبر نفق الإقرار القانوني وينتظر مراسيم التطبيق ليمكن الحكم عليه ــ التي وصفها بأنها «ملفات حامية تحت الرماد» مثل قانون الجامعات والمدارس وقانون تأطير المرئي والمسموع، حيث «بات الرئيس يختار رؤساء مجالس الإذاعات والتلفزيونات التابعة للدولة»، إلى جانب قوانين تنظيم العمل في وظائف المصالح العامة أو شبه العامة، ومنها ما هو في إطار «التحضير الفكري» قبل طرحها في ميدان التشريع مثل قانون «خفض سن التجريم إلى ١٢ سنة»، الذي يعترض عليه عدد متزايد من النواب، أو تغيير واقع وكالة الأنباء الفرنسية في إطار إعادة ضبط الإعلام الفرنسي أو حتى «الاستعمال المكثف» للإجراءات القضائية، وخصوصاً تجاه الصحافيين.
ويجمع إطار «الوعود الانتخابية» بين كل هذه الملفات، إضافة إلى خيط الاعتراض الذي يتسع في الأوساط المعنية ويتجاوزها إلى شرائح واسعة من المجتمع الفرنسي ليوشح «قطار إصلاحات ساركوزي» المنطلق منذ وصوله إلى الإليزيه.
ويرى المراقبون أن ساركوزي الذي يعيش على بساط ارتفاع شعبيته منذ شهرين قد يفيق يوماً على واقع مؤشر هابط إذا ما «اجتمعت جميع عوامل التململ الاجتماعية»، وخصوصاً أن أفق الدبلوماسية الخارجية هو في طريق الإقفال مع وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض، وعودة الدبلوماسية الأميركية إلى الساحة، ما يعني خبو بريق غياب بوش، إضافة إلى أن الأزمة المالية العالمية لا تزال في بدايتها. ما يمكن أن يعني أن «الإجراءات التي أقرت يمكن أن تكون من دون مفعول».


وزير فرنسي للإصلاح الاقتصادي

أعلن الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، أمس، تعيين باتريك ديفدجيان (الصورة) وزيراً جديداً للإصلاح الاقتصادي. وديفدجيان، الرئيس الحالي للحزب الحاكم، يعد حليفاً مقرّباً من الرئيس الفرنسي، ومن المقرّر أن يساعده على تطبيق خطته الاقتصادية.
ويأتي التعيين بالتّزامن مع خسارة مؤشّر «CAC40» في البورصة الفرنسيّة، أمس، أكثر من 5 في المئة من قيمته، إثر معلومات عن فقدان الوظائف في الاقتصاد الأميركي، وارتفاع معدّل البطالة إلى 6.7 في المئة. وانخفض المؤشّر إلى ما دون مستوى الـ3 آلاف نقطة، ما يشير إلى استمرار عدم اليقين في الأسواق، وازدياد قلق المستثمرين من الأخبار الآتية من الضفّة الأخرى من الأطلسي. وجرى ذلك فيما كانت وزيرة الاقتصاد كريستين لارغارد، تؤكّد أنّ حكومتها تحافظ على المستويات المتوقّعة للنموّ الاقتصادي في العام المقبل على الرغم من خطّة التحفيز الاقتصادي الضخمة التي أعلنها الرئيس نيكولا ساركوزي وتبلغ قيمتها 26 مليار يورو. وقالت إنّ «الوضع يتطوّر كلّ ساعة، ونحن لن نغيّر شيئاً (في توقّعاتنا) في الوقت الحالي».
وخلافاً لحديث لاغارد، كان رئيس الوزراء فرانسوا فييون قد أشار في وقت سابق إلى أنّ خطّة التحفيز سترفع نسبة النموّ في البلاد بحوالي نقطة مئويّة العام المقبل، في ظلّ توقّع تقارير أنّها ستراوح بين 0.2 في المئة و0.5 في المئة. ولكن لصندوق النقد الدولي ومنظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقّعات مختلفة، حيث يشيران إلى أنّ الاقتصاد سيتقلّص بنسبة تصل إلى 0.5 في المئة.
(أ ف ب)