باريس ــ بسّام الطيارةيتابع المواطن الفرنسي بشغف كبير الانتخابات الرئاسية الأميركية، ليس فقط لأن أميركا هي الدولة العظمى، التي تؤثر سياستها في مصير العالم وبالتالي فرنسا. وليس بسبب إمكان وصول «رئيس أسود» وهو ما تعتبره الغالبية الفرنسية «ثورة عالمية» ومؤشراً إلى تغيرات كبرى تبلغ أميركا وتنتقل منها نحو بقية بقاع العالم.
المتابعة الفرنسية للانتخابات متعددة الأنواع والأشكال، منها الفكاهي الذي يحاول تفسير سبب إشارة رسم «الحمار» إلى الحزب الديموقراطي، بينما يشير رسم «الفيل» إلى الحزب الجمهوري. رسم يعود إلى عام ١٨٤٠ لـلكاريكاتوريست الأميركي في مجلة «هاربرز ويكلي»، توماس ناست، الذي يقارنه الفرنسيون برسم «الوردة» شعار الحزب الاشتراكي أو «رسم صليب اللورين» شعار الديغوليين.
نظرات المواطنين والسياسيين الفرنسيين هي نظرات ممزوجة بنوع من الإعجاب والريبة والاستهجان في آن واحد: إعجاب بقوة أميركا الاقتصادية والعسكرية وقدراتها غير المحدودة، وريبة في هذه الديموقراطية «الأنكلوسكسونية» المبنية على القوة المالية للوبيّات، التي أوصلت جورج بوش الابن إلى الرئاسة، وسمحت له بتقليص هامش الحريات الفردية وسوق العالم في اتجاه أزمة «سياسية أدبية تناحرية» تراجع خلالها القانون الدولي. وثمة استهجان من سياسة مالية مبنية على «مديونية متعاظمة» تكبّل اقتصادات العالم الرأسمالي.
الطاقم السياسي الفرنسي ينتظر الإدارة المقبلة من دون أي وهم؛ هو مدرك أن «ميكانيكية أخذ القرارات مبنية بطريقة براغماتية استناداً إلى المصالح الأميركية البحتة» ولا ينتظر تغييراً كبيراً بالنسبة إلى انعكاس وصول هذا أو ذاك المرشّح إلى البيت الأبيض.
يقول رئيس الحكومة السابق، دومينك دوفيلبان، «إن تأثير نتيجة الانتخابات سوف ينعكس خصوصاً على المجتمع الأميركي» أياً كان الرابح. ويضيف في مقابلة مع «جورنال دو ديمانش» إنه على الرغم من «أن ماكاين جمهوري فهو مختلف عن بوش»، وهو يمثل «حلماً أميركياً في طريقه للاضمحلال».
أما أوباما، بنظر دو فيلبان، فيمثّل «عالماً جديداً وحلماً جديداً»، وهو «يحمل الأمل في سياسة خارجية جديدة أكثر توازناً».
و«يظل العراق نقطة تجاذب بين باريس وواشنطن»، كما يقول المراقبون، وخصوصاً إذا وصل أوباما إلى الحكم. ويفسّر هؤلاء ذلك بأن ماكاين معروف التوجه وباريس مستبعدة عن «سوق الصفقات العراقية في المدى المنظور».
ويظل موقف أوباما من ملف الشرق الأوسط تحت كم من علامات الاستفهام في حسابات الدبلوماسية الفرنسية. لكن «توجهات الجمهوريين في حال وصولهم إلى البيت الأبيض»، قد تذهب في اتجاه «تحقيق رؤية بوش لدولتين»، كما صرح دبلوماسي فرنسي. وبالتالي يرى الفرنسيون أن الجمهوريين يمكنهم «الضغط على إسرائيل».
أما في حال وصول المرشح الديموقراطي فيعترف دبلوماسي آخر بأن «التطرف الذي اضطر إليه باراك حسين أوباما» لإظهار تعلقه بأمن إسرائيل قد يعقّد ملف الشرق الأوسط في بداية مسار حكمه.
رغم هذا، تتحول غداً باريس «مدينة أميركية». عدد من المقاهي يحضّر لسهرات طويلة على نبض الانتخابات على شاشات التلفاز. لكن لن يشارك ٣٠٠ عامل مصروفين من مصنع «مولكس» الأميركي الموجود في جنوب فرنسا، في أي من هذه الاحتفالات؛ فقد قرروا احتلال ساحة ميدانهم ومنع مرور السيارات احتجاجاً على صرفهم، بسبب الأزمة المالية.