باريس ــ بسّام الطيارةافتتح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أمس، القمة الثانية عشرة للفرنكوفونية في مدينة كيبيك الكندية، وهو يوم صادف الذكرى الـ٤٠٠ لتأسيس المدينة ـــــ المستعمرة الفرنسية سابقاً ـــ على يد صمويل شابلان. وعلى غرار ما يحصل عشية كل قمة فرنكوفونية، يعود ملف «قبول إسرائيل» في المنظمة إلى كواليس التحضيرات، قبل أن ينتقل إلى واجهة الإعلام. ولكن هذه السنة، بخلاف السنوات السابقة، فإن الأصوات المؤيّدة لانتساب إسرائيل ظلّت «خافتة» وتدعو إلى العمل «بهدوء» ومن وراء الكواليس، وخصوصاً أن هؤلاء يرون أن «قمة الاتحاد من أجل المتوسط» التي عُقدت في باريس في تموز الماضي، قد «مهّدت الطريق» أمام قبول الدولة العبرية في إطار دولي «يجمع دولاً كانت رافضة للعمل تحت أي عنوان توجد فيه»، كما صرّح أحد المقرّبين من هذا الملف لـ«الأخبار». وبحسب أكثر من مصدر، فإن إسرائيل لا تزال تطرق باب الفرنكوفونية منذ خروج رئيس حكومتها السابق إسحاق شامير من الحكم، وهو «الذي كان ينظر بازدراء إلى كل ما هو فرنسي»، عكس الرئيس شمعون بيريز «المعروف بفرنكوفونيته الحامية».
وفي فترة مسار مدريد، وأوسلو بعده، أعلنت فرنسا بقوة تأييد دخول إسرائيل إلى المنتدي الفرنكوفوني الذي يتطلّب إجماعاً حسب قوانينه التأسيسية.
ويقول أكثر من مصدر إنّ «لبنان تصدّى بقوة لهذه الفكرة»، وإنّ الرئيس الراحل رفيق الحريري «أقنع صديقه جاك شيراك بالعدول عن طرح الفكرة» بقوله «لا نستطيع الموافقة على انضمام دولة تحتل أراضينا». ووقعت مجزرة قانا الأولى تحت عنوان «عناقيد الغضب» عام 1996 لتزيد من الحجج اللبنانية وتطوي الملف مؤقتاً. وعادت الفكرة لتخرج من أدراج شيراك، عقب انسحاب إسرائيل إلى «الخطّ الأزرق» عام 2000. وعاود السفير الإسرائيلي لدى باريس في ذلك الوقت، إيلي برنابي، تقديم التماس خاص من السلطات الفرنسية في هذا الخصوص. ويتذكّر دبلوماسي رافق هذه الحقبة كيف أنّ الحكومة اللبنانية «بتأثير من حزب الله وسوريا»، جددت رفضها التام «بحجة استمرار احتلال مزارع شبعا». ورغم الوعد الذي قطعه شيراك عام ٢٠٠٤ لنظيره موشيه كتساف بـ«العمل بقوة لقبول الدولة العبرية» في المحفل الفرنكوفوني، فإن الجمود بقي مسيطراً على هذا الملف. ويرى أكثر من مصدر أن احتلال مزارع شبعا «ما زال يمثّل عقبة كبيرة» تمنع أي حكومة لبنانية من الموافقة على انتساب إسرائيل. إلا أن وجود ساركوزي، «صديق إسرائيل»، وصاحب الفضل الكبير في إنجاح اتفاق الدوحة وإخراج الملف اللبناني من عنق الزجاجة، يمكن أن يغيّر بعض المعطيات، وخصوصاً أن سوريا تتفاوض بطريقة غير مباشرة مع إسرائيل. ويترافق ذلك مع تصاعد أصوات تطالب بـ«قبول موحّد لإسرائيل والسلطة الفلسطينية» في المنظمة الدولية، ما يمكن أن يجعل أي رفض لتوسيع إطار العضوية، كأنه موجّه ضدّ الفلسطينيين. ويرى أكثر من مراقب أن هذا الطرح هو محاولة مكشوفة «لإغراق قبول إسرائيل في بحيرة الخلافات العربية»، إذ يعرف الجميع أنه يوجد في هذه الدولة ما يزيد على مليون ناطق باللغة الفرنسية، معظمهم مهاجرين من شمال أفريقيا، بينما لا يمكن اعتبار «أراضي السلطة الفلسطينية ميداناً خصباً للفرنكوفونية».
في المقابل، يصرّ دبلوماسي عربي في باريس على أنّ العقبة ليست فقط لبنانية، بل مصدرها أيضاً خلافات بين دول مغربية، وخصوصاً بين المغرب «غير الممانع»، إذ إن ٢٠ في المئة من الإسرائيليين الذين يتكلمون الفرنسية من أصول مغربية، والجزائر التي ترى أن «وزنها الفرنكوفوني» لا يؤخذ بالاعتبار، لا في أروقة الفرنكوفونية فقط، بل أيضاً في الهيكلية الجديدة لـ«الاتحاد من أجل المتوسط». كل ذلك وسط خلافات تشير إلى إمكان «تأجيل مؤتمر وزراء الاتحاد المزمع عقده في ٣ و٤ تشرين الثاني المقبل في مرسيليا».