Strong>صحافي «مهر» يدافع عن «إساءته» للقرضاوي: يتحالف مع مشايخ السلفية لأهداف سياسية وطائفية... ولست نادماً على ما كتبتلا يمكن حصر الفتنة المذهبيّة التي تشهدها المنطقة الآن بعامل سياسي، أو مقال مسيء هنا أو مؤامرة دولية هنالك. فتنة بدأت منذ فجر الإسلام ونمت في مناخات عقائدية وسياسية يحاول «العلماء» الحدّ منها

طهران ــ محمد شمص
صراع النفوذ والتمدّد الإيراني ــ السعودي يشهد حلقة أخرى من حلقاته، اتخذت هذه المرة طابعاً أكثر شفافية وخطورة لجهة تسمية الأسماء بمسمّياتها. التيار السلفي الملتصق بالسعودية يصف التمدّد الإيراني بالتبشير الشيعي المذهبي بين شباب أهل السنّة. موقف أطلقه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ يوسف القرضاوي، الذي أثارت تصريحاته زوبعة سياسية ــ إعلامية ــ دينية لم تتوقّف ارتدادتها إلى الآن، رغم البيان الذي صدر عن مؤتمر الدوحة الأخير في 14 ــ 15 الشهر الجاري.
الشيخ القرضاوي، الداعية الإسلامي والشخصية الوسطية المعتدلة، الذي عرف بدعمه القضية الفلسطينية وحزب الله وتأييده نشاطات إيران النووية، يقود هذه الحملة «ضد الشيعة وأهل البيت»، حسبما يقول رئيس تحرير القسم العربي في وكالة «مهر» الإيرانية، حسن هاني زادة، الذي فُصل أخيراً من الوكالة، بقرار من رئيس منظمة الإعلام الإسلامي في إيران، علي خاموشي، بسبب مقال بهذا الخصوص.
غير أن الصحافي المفصول يحاول، في حديث مقتضب لـ«الأخبار»، تبرير مقالته بقوله «إن الشيخ القرضاوي يتحالف مع مشايخ السلفية في السعودية (رغم اختلافه السياسي مع حكومة الرياض) وذلك لتحقيق أهداف سياسية وطائفية وتأليب الرأي العام على المسلمين الشيعة وإيران».
«هذه الحملة المنظّمة ضد الشيعة»، على حد قول هاني زادة، «تحظى بدعم سعودي، من خلال قناة العربية وجريدة الشرق الأوسط»، زاعماً أن «صحافيَّين سعوديين رفيعَي المستوى حصلا أخيراً على نصف مليون دولار، هي قيمة جائزة (صديق شعب إسرائيل) التي تُمنح سنوياً لشخصية تسهم في دعم حق الشعب اليهودي، الأمر الذي يدلّ على أن ثمة ارتباطاً وثيقاً وتعاوناً بين السعوديين وجهات إسرائيلية، الهدف منه تحريض الأمة الإسلامية على إيران والشيعة، ثأراً للهزيمة التي مُنيت بها إسرائيل في عدوان تموز، ويرعى هذا التعاون الأمير السعودي بندر بن سلطان».
ويضيف هاني زادة، لـ«الأخبار»، «لست نادماً على أي كلمة ممّا كتبت» في مقالته بشأن الشيخ القرضاوي، ولكنه تقبّل التنحي عن منصبه من الوكالة، وهو من مؤسسيها، «برحابة صدر، حرصاً مني على الوحدة الإسلامية. على أن قرار منظمة الإعلام الإسلامي الإيرانية، جاء أيضاً حرصاً من طهران على إطفاء نار الفتنة التي أشعلها القرضاوي، من خلال تصريحاته التي أساء فيها إلى المسلمين».
أما رئيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، آية الله محمد على التسخيري، والتزاماً منه بتوصيات وبنود البيان الختامي لمؤتمر الدوحة، فقد رفض الحديث أو التعليق لـ«الأخبار» عن هذا الموضوع، مؤكداً من خلال مدير مكتبه «أننا اتفقنا في الدوحة على وقف النقاشات العقائدية في وسائل الإعلام، ونحن ملتزمون بالاتفاق وبنوده، وأهمها:
1- التأكيد على وحدة الأمة الإسلامية بشتى مذاهبها.
2- وجوب احترام أصحاب النبي (ص)، وآل بيته الطاهرين، وتحريم الطعن فيهم والإساءة إليهم، وضرورة تعميم الفتاوى المتعلّقة بذلك.
3- الكشف عن أي محاولة منظّمة أو مدعومة بالتبشير بالمذهب غير السائد.
4- إدانة الإساءة إلى الشيخ القرضاوي أو أي طرف من رموز الأمة.
5- مطالبة إيران بوأد الفتنة ومعاقبة وكالة «مهر» الإيرانية.
6- مناشدة وسائل الإعلام الابتعاد عن أساليب الإثارة وعدم إشعال نار الفتنة الطائفية».
ومن اللافت أن التسخيري، وهو نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومن أكثر العلماء الشيعة دعوة إلى الوحدة بين المسلمين، يؤخذ عليه تكراره على مسامع زوّاره من إيرانيين وعرب، ضرورة وقف السب والشتم واللعن لصحابة النبي. ويصف من يفعل ذلك من الشيعة أو السنّة بأنه إما متعصّب أو جاهل.
بيد أن التسخيري، شعر بالاستفزاز من تصريحات القرضاوي، فدعاه إلى «العودة إلى نهج الاعتدال الذي هو التقريب».
كما أثارت تصريحات القرضاوي، السيد محمد حسين فضل الله، إحدى أكثر الشخصيات اعتدالاً في الساحة الشيعية، الذي قال «إن تلك التصريحات تبثّ الفرقة، وتتنافى مع مقاصد الاتحاد العام للمسلمين».
مواجهة ذات بعد سياسي ــ ديني، ما هي إلاّ ترجمة أخرى لمعركة النفوذ في المنطقة، حيث لا يخفي السعوديون قلقهم من تنامي قدرات إيران ونفوذها في العالم الإسلامي.
غير أن موقع القرضاوي على الإنترنت يقول إن «الذي أثار المشروع الشيعي هو انحياز القطاع الأكبر من شيعة العراق إلى الاحتلال الأميركي، وهذا أثار الذاكرة عن الدور المريب لبعض الشيعة»، متجاهلاً الدور الذي يؤديه التيار الصدري المقاوم للاحتلال، والأكثر شعبية بين شيعة العراق بحسب إحصاءات أميركية أُجريت أخيراً، وكانت السبب في اندلاع المواجهات المتعددة بين التيار والحكومة العراقية.
هذا الكلام عن شيعة العراق كان قد علّق عليه رئيس مجلس الحكم العراقي الراحل، عز الدين سليم، قبل اغتياله بأسابيع، لكاتب هذه السطور، بقوله «نحن لم ولن نكون يوماً عملاء للأميركيين المحتلّين ولم نطلب مساعدتهم، بل نريد إنهاء كابوس الديكتاتور صدام حسين، ونأمل أن نستطيع بسط الأمن وإعادة الهدوء والاستقرار إلى العراق في فترة وجيزة، ومن ثمّ لن يكون هناك حاجة إلى وجودهم في بلادنا». وردّ على مقولة إن «التاريخ لا يرحم من لم يقاوموا قوات الإفرنج أثناء غزوها لبلاد ما بين النهرين» بقوله إن «التاريخ يكتبه الأقوياء ونعمل على إنهاء فترة الاحتلال في أسرع فرصة ممكنة».
ويبدو أن مثل هذه المواقف هي التي أدت إلى مقتل هذا المسؤول العراقي، بعد عشرين يوماً فقط من تسلّمه رئاسة مجلس الحكم في العراق.