زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر التي تبدأ إلى فرنسا اليوم، تكتسب معاني كبيرة في ظلّ تراجع فرنسا على صعيد العلمانية. والصورة ستكون معبّرة: لا معارضة سياسية للزيارة، بل مشكلة البابا ستشكون مع جمعيات الرفق بالحيوان ومع المدافعين عن اللغة الفرنسية في الشعائر الدينيّة
باريس ـ بسّام الطيارة
أكثر ما يلفت المراقبين لزيارة البابا إلى باريس، الاستقبال الخاص الذي سيخصّه به الرئيس نيكولا ساركوزي في صالون الشرف في المطار، قبل أن يعود ويستقبله بعد ساعة ونيف في الإليزيه، رغم ندرة الحالات التي يستقبل فيها الرئيس الفرنسي ضيفه على المطار.
وهي المرة الأولى منذ انتخابه على رأس الكنسية الكاثوليكية، التي يزور فيها بنديكتوس فرنسا، «الابنة البكر للكنيسة». ومن المتوقع أن يدشن ويبارك رأس الكنيسة الكاثوليكية «معهد الإخوة البرنارديين» في وسط باريس، بعد ترميمه الذي كلف الدولة الفرنسية 50 مليون يورو لتحويله إلى متحف ومركز دراسات ومكتبة عامة.
ويرى المراقبون أن التشديد على الثقافة ولقاء المثقفين يهدف إلى «استيعاب مشاكسة العلمانيين» الذين يراقبون عن كثب «الخدوش التي تصيب علمانية الدولة» في عهد ساركوزي. والواقع أنه لا توجد معارضة كبيرة من أي جانب لزيارة البابا من قبل العلمانيين الذين يعتبرونه «رئيساً لدولة الفاتيكان» ويحترمون في الوقت نفسه «سعادة مواطنيهم بحضور البابا».
وإن وُجدت معارضة، فمن المتوقع أن تكون من الكاثوليك الذين لا ينظرون بعين الرضى «لعودة البابا للوعظ باللغة اللاتينية»، في ما يصفونه بأنه عودة إلى الوراء بالنسبة إلى كاثوليك فرنسا الذين جهدوا لجعل الموعظة باللغة الفرنسية، بينما ينزع المتشددون إلى اللاتينية التي يرون فيها «عودة إلى الأصول».
ومن المتوقع أن يمزج البابا بين اللغتين خلال القداس الذي سيقيمه غداً في ساحة «الأنفاليد»، حيث يُتوقع حضور ما يزيد على ٤٠٠ ألف مؤمن. أما في كاتدرائية نوتردام في وسط باريس، فمن غير المتوقع أن يخرج بنديكتوس عن تقاليدها، خصوصاً أنها كانت في طليعة المناهضين للاتينية.
وتشغل زيارة البابا الأجهزة الأمنية الفرنسية التي خصصت ما يزيد على تسعة آلاف عنصر من أفراد الشرطة الخاصّة للتدخل السريع من أجل ضمان أمن الحبر الأعظم خلال الزيارة، كما ستحلق طائرات مروحية فوق العاصمة استثنائياً لتوفير مراقبة جوية وحماية مكثفة للزائر.
إلا أن الزيارة يراها البعض «مهمة جداً في العملية التواصلية» التي يعتمدها البابا، لأن فرنسا «أرض صالحة لتوجيه رسائل حول العلمانية»، وهو ما سيفعله خلال الأيام الأربعة التي سيقضيها، ويتوقع أن يلقي خلالها 11 خطاباً وعظة موجهة إلى السياسيين والكنيسة الفرنسية في آن واحد.
ومن المعروف أن ساركوزي، منذ وصوله إلى الرئاسة، أثار جدلاً واسعاً في فرنسا عندما أشار إلى إمكان الابتعاد عن قانون فصل الكنيسة عن الدولة المعروف بقانون ١٩٠٥ وهو ما لقي ترحيباً كبيراً في الفاتيكان حينها.
بالإضافة إلى ذلك، سيسمع البابا اليوم عن جمعية «فورير تورتير» (تعذيب الفراء)، التي نشرت عريضة دعته فيها الى عدم ارتداء ملابس موشاة بفرو القاقم (حيوان من الفصيلة السمورية). وتقول الجمعية إنّها حصلت على تواقيع ثلاثة آلاف شخص في غضون ٢٤ ساعة داعمين لموقفها القائل بعدم ارتداء أي ملابس مكوّنة من فراء الحيوانات.
وكان بنديكتوس قد شوهد مراراً يرتدي ثياباً من جلد الحيوانات أو يعتمر قبعة موشاة بفرو القاقم وهي ملابس كهنوتية لم تعد مستخدمة منذ وفاة البابا يوحنا الثالث والعشرين، بحسب الجمعية. وعند سؤال أحد الناشطين عن معنى توجيه هذه الرسالة في يوم استقبال البابا، أجاب «إنها فرنسا العلمانية التي تخاطب رأس الكنيسة».