موسكو ــ حبيب فوعانيلم تستطع روسيا وجورجيا على مدى عقدين من الزمن إقامة أي نوع من العلاقات بينهما، إذ كانت موسكو، ولا تزال، تنظر إلى استقلال هذه الجمهورية السوفياتية السابقة بمرارة كبرى، إذ تعتقد بأن وزير الخارجية السوفياتي السابق، الجورجي إدوارد شيفاردنادزه، أدى دوراً مشؤوماً في تفكيك الإمبراطورية السوفياتية، ولذلك لم يوفروا فرصة للتعطيل على الرؤساء الجورجيين المتوالين من زفياد غامساخورديا، بطل الاستقلال الجورجي، إلى «ثعلب القوقاز» شيفاردنادزه، الذي ساعدت القيادة الروسية في هزيمته في أبخازيا عام 1994.
وعندما أزاح ميخائيل سآكاشفيلي شيفاردنادزه في عام 2003، لم تستطع موسكو إقامة أي نوع من العلاقات مع الرئيس الجديد أيضاً. وانتهى الأمر بأن فرضت روسيا حصاراً اقتصادياً على جورجيا.
لكن الهجوم الذي شنه سآكاشفيلي على العاصمة الأوسيتية، جعل الخصمين يتبادلان الأدوار؛ فالجانب الجورجي هذه المرة هو الذي يرتكب الهفوات، بينما يتصرف الجانب الروسي بدرجة عالية من الحكمة والاتزان.
ويبدو أن موسكو وعت كل الدروس، التي تعلمتها من الدول الغربية خلال السنوات العشر الماضية. أدركت أن العالم، بعد أحداث يوغوسلافيا وتيمور الشرقية وغيرهما، أصبح يتعامل بتسامح مع قيام القوات الأجنبية بالدفاع المسلح عن الأقليات التي تنكل بها الأكثرية.
واستخدمت موسكو بنجاح حجة «التدخل الإنساني»، بعدما فهمت أن هذا «المبدأ الغربي» يمكن استخدامه في نهاية الأمر لمصلحتها، مستندة إلى تفويض قوات حفظ السلام الصادر عن الأمم المتحدة.
روسيا لعبت في إطار مبدأ التحرك الاستباقي المحبب للأميركيين، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن توجَه سهام النقد الغربية حتى إلى الضربات الروسية الموجهة لمواقع جورجية عسكرية بعيدة عن منطقة النزاع.
وبناءً عليه، فإن أميركا منيت بهزيمة سياسية لا تقل عن هزيمة سآكاشفيلي. إذ إن روسيا قامت باللعب، وللمرة الأولى، على الطريقة الغربية، خلافاً لما فعلته موسكو عام 1999 عندما انتزعت كتيبتها من مواقعها المرسومة في البوسنة وجازفت بنقلها إلى كوسوفو.
ومهما بدا الأمر غريباً، فإن روسيا، في المئة يوم الأولى من عهد ديمتري مدفيديف، تعلمت دروساً كثيرة تجاهلتها القيادات الروسية السابقة. ويشهد استخدام القوة حيث يجب استخدامها، باتزان خطوات الرئيس الروسي الجديد، المدعومة من رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين، ونجاحه في الامتحان القوقازي الصعب.