اتفاقات نفطيّة وتجاريّة يتطلّب الإعداد لها «أشهراً» وتسريع «الشراكة»باريس ــ بسّام الطيارة
«كأن شيئاً لم يكن» هو عنوان أسطوانة أغاني السيدة الفرنسية الأولى كارلا بروني، التي تطرح اليوم في الأسواق. عنوان من الممكن أن يحاكي العلاقة الفرنسية ــــ السورية، التي يبدو أنها دخلت فعلاً في منعطف جديد.
فبعد أقل من أسبوع على زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى باريس، يمكن القول إن العلاقات الفرنسية ــــ السورية تجاوزت المرحلة السابقة، «وكأن شيئاً لم يكن»، لا بل إنها دخلت مرحلة «تثمير اقتصادي»، كما ذكر أكثر من مصدر، كما تدل زيارة نائب رئيس الوزراء السوري للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري، بانتظار زيارة الرئيس نيكولا ساركوزي إلى دمشق المتوقعة في الأسبوع الثاني من شهر أيلول لتكريس هذا التعاون الاقتصادي الواسع.
يكفي إلقاء نظرة على لقاءات الدردري للاطلاع على سعة التعاون الذي تهيّئ له المرحلة المقبلة، والذي تم «البناء له منذ أشهر»، بحسب بعض المصادر التي تشير إلى «الدور الذي أداه كلود غيان» مستشار ساركوزي المقرّب والأمين العام للرئاسة الفرنسية. فإلى جانب محادثات مع وزيرة الاقتصاد كريستين لاغارد ووزير الدولة للشؤون الأوروبية جان بيار جوييه، يجتمع الدردري مع الوكالة الفرنسية للتنمية وجمعية أرباب العمل. إلا أن الأنظار ستتجه إلى المباحثات الصباحية التي أجراها المسؤول السوري مع مسؤولي شركة «توتال» النفطية، إذ علمت «الأخبار» أنه وُضع إطار زمني عام لبرمجة مجالات التعاون مع العملاق النفطي الفرنسي في قطاعات النفط والغاز والطاقة المتجددة، إضافة إلى التعاون المشترك داخل سوريا وخارجها.
وبعد ذلك، انتقل الدردري إلى لقاء مسؤولي شركة «الستوم» الصناعية. وقد أكد أكثر من مصدر أن معظم المحادثات تركزت على تطوير التعاون بين باريس ودمشق وتعزيزه في قطاعات متعددة، منها النقل البري وتطوير سكك الحديد والنقل البحري، إضافة إلى بناء محطة للطاقة في دير الزور بقدرة ٧٨٠ ميغاواط كان قد تم التعاقد عليها في السابق وبقي عقدها عالقاً. كما وُضع إطار للتعاون في مجال الطيران المدني مع شركة «إيرباص»، إذ عُلم أن سوريا تسعى لشراء نحو خمسين طائرة منها، على أن تسبق الشراء عملية استئجار عشر طائرات لسد النقص في أسطولها التجاري.
ورغم الحديث عن «إمكان عقد لقاء بين الدردري وممثلي شركة أريفا» عملاق الصناعات النووية المدنية، إلا أنه كان من الصعب تأكيد ذلك. واكتفت مصادر وزارة الخارجية الفرنسية بالإشارة إلى أن «مهمة اللقاءات» وضع الخطوط العامة للاتفاقات والمعاهدات الاقتصادية التي يمكن أن توقّع في دمشق خلال زيارة ساركوزي المقبلة.
وكانت ذروة لقاءات الدردري في اليوم الأول مع وزير الدولة للشؤون الأوروبية، جان بيار جوييه، إذ جرى البحث في ملف الشراكة الأوروبية ــــ السورية التي وقّع عليها بالأحرف الأولى عام ٢٠٠٤، قبل أن يجمّد الملف بطلب من الرئيس السابق شيراك بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وعلمت «الأخبار» من مصادر تابعت الملف أن الحديث مع جوييه دار حول «ما إذا كان من الضروري إعادة دراسة الاتفاق أم أنه يمكن تقديمه كما هو للتوقيع».
وأكدت المصادر أن باريس تريد أن يوقّع بأسرع وقت ممكن، إلا أنها ترى «أن الاقتصاد السوري قد تغيّر وتطور منذ ٢٠٠٤»، وهي ترى بالتالي ضرورة «ضبط الاتفاق على الواقع الحالي». كما أن المصادر أكدت أن المحادثات تطرقت إلى «الإصلاحات في سوريا»، حيث طالب الجانب السوري بتطوير التعاون في مجال المعلوماتية والإدارة. ويقول أكثر من مراقب إن «زخم التعاون» الذي تشير إليه البيانات والتسريبات، والتنوّع فيه، يقودان إلى استنتاج أن ما بدا أنه «نتيجة حلحلة لعقبة سياسية» هو في الواقع «هدف الحلحلة» التي شهدتها باريس في الأسبوع الماضي.
ويقول أحد الدبلوماسيين إن الوصول إلى هذا الكم من الاتفاقات «خلال أسبوع» لتعدّ للتوقيع خلال زيارة ساركوزي المقبلة، يتطلب شهوراً من الإعداد، نظراً إلى تقنية الملفات المطروحة وتشابك المصالح المالية والصناعية التي تتقاطع فيها. ويؤكد المصدر أنه رغم أن وصول الدردري إلى باريس والانطلاق في هذه الملفات هما تكريس لما جاء في البيان المشترك الفرنسي ــــ السوري الذي صدر بعد لقاء الأسد وساركوزي، إلا أن «البيان نفسه هو نتيجة مفاوضات طويلة جرت وراء الكواليس منذ أشهر»، وأن التوافق على هذه الملفات إلى جانب «الانفتاحات السياسية» أفسح في المجال للإعلان عنها في أسبوع القمة من أجل المتوسط.
ويشير المصدر نفسه إلى الدور «الإيجابي الذي أداه كلود غيان»، ويعود إلى أن العلاقة التي تربط غيان بالسلطات السورية بُنيت على «أسس التعاون الأمني» قبل عقد ونيّف، مذكّراً بأن «غيان كان مديراً للشرطة». ويضيف أن «هذا التعاون لم يتوقف بتاتاً، وكان مفيداً للفرنسيين أيضاً».