مي الصايغ«سيلفا برميير»، عبارة تختصر مشروع قانون أقرّه مجلس الشيوخ الإيطالي الأسبوع الماضي من شأنه أن يمنح الحصانة للمسؤولين الرفيعي المستوى في الدولة، بمن فيهم رئيس الوزراء سيلفيو برلوسكوني، ويعفيهم من المثول أمام المحاكم. مشروع قانون، إذا أقرّ في مجلس النواب، فستعلّق على أثره عشرات آلاف المحاكمات المتعلقة بالجرائم التي ارتكبت قبل 30 حزيران من عام 2002، بما فيها الخاصة ببرلوسكوني، لسنة، على أن تعطى الأولوية لملفات خطيرة تزيد عقوباتها على السجن 10 سنوات.
إلا أن عرقلة القانون تبدو أمراً مستبعداً، مع امتلاك برلوسكوني الغالبية المطلقة في غرفتي البرلمان. فبعدما نال ثقة الشيوخ، لا يزال بانتظار إقراره في مجلس النواب أواخر الصيف الجاري.
حماية رئيس الوزراء من المقاضاة هي حلم لطالما راود برلوسكوني منذ دخل عالم السياسة قبل 15 عاماً، إذ سعى مرات عديدة إلى تقديم قانون يحمي رئيس الوزراء، لتحبط المحكمة الدستورية محاولاته ما قبل الأخيرة في عام 2004، وخصوصاً أنه منذ عام 1994 واجه 17 تحقيقاً قضائياً حول صفقاته التجارية. ومثل أمام المحكمة 8 مرات في قضايا مختلفة، إلا أنه كانت تبرأ ذمته أو تُسقَط الدعوى بالتقادم. ولا يزال برلوسكوني حتى الآن يواجه محاكمتين، الأولى تتعلق بتهرب ضريبي في قضية تطال مجموعته الإعلامية «سبا تليفيجن»، والأخرى يتهم فيها برشوة محاميه البريطاني السابق ديفيد ميلز لتقديم شهادة مضللة في التسعينيات.
كما استمر العجوز المتصابي في الادعاء بأنه محط استهداف من القضاة في «أقصى اليسار»، واصفاً القضاة بأنهم «مسيسون» و«ورم خبيث في جسم الديموقراطية» الإيطالية، ومشدداً في إحدى رسائله إلى رئيس مجلس الشيوخ، ماريو شيفاني، على أن الشكاوى ضدّه هي «قضايا وهمية وجهها الادعاء من أقصى اليسار لأهداف سياسية».
وغداة إقرار مجلس الشيوخ لقانون الحصانة، رأى مناصروه أنه سيحرر المحاكم من قضايا متراكمة ويسمح لها في التركيز على الجرائم العنيفة، كما أنه سيبعد كأس الإدانة عن برلوسكوني في إذا ما ثبت تورطه، الأمر الذي سيسبب له إحراجاً كبيراً، حتى إذا لم يُجبَر قانوناً على الاستقالة. وهو ما ذهب إليه وزير العدل، أنجلينو ألفانو، إذ وجد أن القانون سيسمح للمسؤولين الكبار في الدولة بأن يقوموا بأعمالهم من «دون قلق».
قلق عبّر عنه زعيم «رابطة الشمال»، أمبرتو بوسي، حليف برلوسكوني، حين قال إن رئيس الوزراء كان محقاً عندما اتهم القضاة بـ«تخريب» الديموقراطية، لكن «المشكلة أنه يبالغ قليلاً، يساوره هاجس بأن ينتهي الأمر به في السجن».
في المقابل، وصف النواب المعارضون القانون بأنه «مخزٍ»، متهمين برلوسكوني باستغلال موقعه الرسمي لتحقيق مصالحه الخاصة، والسعي إلى الإفلات من المحاكمة. وهو ما ذهب إليه القيادي في حزب «إيطاليا القيم»، أنطونيو دي بايرتو، إذ رأى أنه «خطوة خطوة، فكر برلوسكوني في كيفية تحرير نفسه من المقاضاة في ميلانو». وتابع أنه «يتقدم إلى إلأمام باستراتيجية إجرامية». واقترح إجراء استفتاء على القانون.
كذلك، اتهم رئيس الحزب الديموقراطي (يسار الوسط)، والتر فالتروني، برلوسكوني بعدم القدرة على التمييز بين مصالحه الخاصة وتلك المتعلقة بالدولة، داعياً إلى تنظيم حركة احتجاج واسعة في الخريف المقبل على خلفية ممارسات حكومة برلوسكوني.
وفي الجسم القضائي، تساءل بعض أعضائه عما إذا كان القانون سليماً من الناحية الدستورية، فيما رأى البعض أنه يهدف إلى حماية رئيس الوزراء من إدانة محتملة مع اقتراب قضية ميلانو من نهايتها.
فالمصادقة عليه ستوقف بطبيعة الحال محاكمة ميلانو التي تهدف إلى اكتشاف إذا كان برلوسكوني دفع 600 ألف دولار لمحاميه كي يدلي بإفادة مزوّرة في قضية في المحكمة في نهاية التسعينيات.
وبعدما كان القضاء الايطالي حصناً منيعاً لسنوات خلت، وأطاح العديد من قادة الأحزاب الأساسية في محاكمات على خلفية قضايا فساد في مطلع التسعينيات، تبدو صورته اليوم مغايرة، إذ مع انهماك القضاء الإيطالي في قضايا متشعبة، وبطئه في معالجة القضايا العالقة أمامه، غرق الإيطاليون في اليأس، إلى درجة أنهم قالوا إنه «إذا كان ثمن تصحيح القضاء نوعاً من الحصانة القضائية لسيلفيو برلوسكوني، فهم مستعدّون لدفعه».