انبعاثات الغازات إلى 2050 وحماية «نظام التجارة» تمنع كبح الأسعار
طوكيو ــ بسّام الطيارةورغم الصبغة الإيجابية التي يحاول الرسميون إلصاقها بالبيان النهائي للقمة، في ما يتعلق بهدف خفض الغازات ومكافحة الاحتباس الحراري، إلا أن معظم المراقبين، حتى داخل الوفود الرسمية، متفقون على أن ما صدر عن القمة «غير كافٍ».
فقد اتفق زعماء الدول الأكثر تقدماً وثراءً على خفض انبعاثات الغازات السامة بنسبة النصف على الأقل بحلول ٢٠٥٠. إلا أنه، تحت ضغط الأمم المتحدة والمنظمالت الدولية العاملة في مجال البيئة، التي تطالب بجعل «الحد الأقصى عام ٢٠٢٠»، فقد أُضيف ملحق يدعو كل دولة لتحديد «أهداف على المدى المتوسط» كما جاء في بيان مشترك.
وحسبما علمت «الأخبار»، فإنّ التوصّل لهذا الاتفاق جرى بعد «ليلة صعبة من المفاوضات» بين الزعماء. ويقول أحد المراقبين إنّ هذا الاتفاق «إعلامي» لكنه يمهّد الطريق نحو العمل على «فتح دورة مفاوضات تقنية تحت إشراف الأمم المتحدة». وتبيّن عدم إمكان الوصول إلى اتفاق «ناجح تقنياً ومقنع سياسياً» من دون «عولمة شاملة للحلول»، وهذا ما بات يصعب فرضه انطلاقاً من أن قمة الثماني لا نفوذ لها على بقية الدول المؤثرة، وهو ما ظهر في البيان الختامي على شكل دعوة إلى «مساهمة جميع الاقتصاديات الرئيسية».
حتى التنازلات التي حصلت الولايات المتحدة عليها في ما يتعلق بربط نسبة خفض الانبعاثات بتاريخ محدَّد بعيد المدى، فإنها تدخل أيضاً في إطار الانتصارات الإعلامية.
والرضى الذي راود رئيس المفوضية الأوروبية خوزيه مانويل باروسو من جرّاء الاتفاق، أرفقه بالاشارة إلى أنّ عام ٢٠٠٩ سيحمل اتفاقاً عالمياً بشأن انبعاثات الغازات، في لفتة إلى مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المناخ المقرَّر في كوبنهاغن.
لكنّ الرئيس الأميركي جورج بوش أصرّ كعادته على الاستهزاء بالأمن البيئي والغذائي العالميين على حساب مصالح شركات ومصانع بلاده، ورأى أن واشنطن «لا يمكنها الموافقة على أهداف ملزمة إلا إذا قام كبار الملوثين مثل الصين والهند بكبح انبعاثاتهم أيضاً».
وانصبت انتقادات الجمعيات غير الحكومية على مسألة تحديد هدف بعيد المدى وهو ما عبّرت عنه منظمة «اوكسفام» حين رأت أنه «بحلول عام ٢٠٥٠ يكون قد فات الأوان».
أمّا على الصعيد الاقتصادي، فإنّ القلق إزاء الارتفاع الكبير في أسعار النفط والمنتجات الغذائية احتل حيزاً من اهتمام «الكبار»، ووصف بيانهم ارتفاع الأسعار بأنّه «يمثّل خطراً جدياً على استقرار النمو العالمي»، ودعا القادة البلدان المنتجة للنفط الى رفع قدراتها «على المدى القصير» في مجال الإنتاج والتكرير في محاولة لكبح الارتفاع في الأسعار.
أما في مجال «الأمن الغذائي»، فقد اقترح الرئيس الروسي ديميتري مدفيديف الدعوة الى عقد «قمة زراعية» لدراسة سبل مواجهة ارتفاع أسعار المواد الزراعية والغذائية التي وصفتها الدول الثماني أنها «مقلقة للغاية».
وفي خصوص إنتاج الوقود الحيوي الذي يُعَدّ عنصراً رئيسياً في رفع أسعار الحبوب، وافق المجتمعون على التفتيش عن سبل جديدة للحدّ من آثار هذا العامل على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاحتباس الحراري.
ودعا بيان يوم أمس، الدول التي لديها مخزونات كافية من المواد الغذائية «إلى توفير جزء من الفائض» لطرحه للدول المحتاجة إليه في أوقات الزيادات الكبيرة في الأسعار، من دون أن ينسى من صاغ البيان التذكير بأنّ هذا العامل يجب أن يتمّ «بطريقة لا تشوّه التجارة».
وتُختَتَم القمة اليوم بعقد اجتماع للاقتصادات الكبرى يضم مجموعة الثماني وثمانٍ من الدول الأخرى الكبرى المسببة للانبعاثات بما في ذلك الهند والصين وأوستراليا.
واختصر خبير رفيع المستوى المشكلة الرئيسية في البيان «غير الكافي» قائلاً إنّ تناقضاً كبيراً يشوب تفكير زعماء العالم الرأسمالي: فهي أنها لا تريد تقويض «النظام العالمي للتجارة المبني على شمولية حرية التجارة والمنافسة»، ولكنها في الوقت نفسه تدرك «نظراً لأن كل تقرير يفيد بذلك»، أنه لا مجال لمعالجة «الأزمات الأربع» التي تهدّد البشرية اليوم إلا بـ«أساليب تخدش حرية التجارة والمضاربة بالأسعار». وتابع أنه «لا يمكن إصلاح ما خرّبته العولمة المتوحشة إلا بسن قوانين معولمة تؤطر التجارة وتمنع الاستغلال». ولكنّه لا ينسى أن يختم حديثه بالتحسّر لأنّ «نصف العالم لا يريد سماع هذه الموسيقى».