تُعِدُّ زيارة الأسد إلى باريس «مهمّة جدّاً» وتلمّح إلى جلوسه مع أولمرت إلى طاولة واحدة بسّام الطيارةتحاول أوساط في لبنان والمنطقة التلميح إلى «أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي استعجل الانفتاح على سوريا». وتشارك بعض «مراكز القرار» في هذا الشعور ولا تتردد في مناقشة «التوقيت» في جلسات خاصة. إلا أن هذا لا يعني وجود «اختلاف في التوجه العام» كما صرح أكثر من مصدر لـ«الأخبار» عشية انطلاق الرئيس الفرنسي في زيارة إلى لبنان، أقلّ ما يقال عنها أنها «فريدة في التنظيم» إذا ما وضعنا التوقيت جانباً. وهذا ما دفع البعض لوصف هذه الزيارة بأنها «زيارة التناقضات» تجمع بين قِصَر مدّتها وزخم فريق المرافقة.
إلا أن ما يميز هذه الزيارة، هو أن عين المتابعة تنتقل بين باريس ودمشق وتراقب ردّات الفعل على مسألة التقارب الفرنسي ـــــ السوري أكثر من مراقبة برنامج الزيارة ونبضها. ويتّفق أكثر من مراقب على أن «العامل الإقليمي أدى دوراً كبيراً في هذا التقارب». ويشدد أكثر من مصدر أيضاً على أن فرنسا كانت تضع حسابات إقليمية قيد أفقها «حين جهدت للوصول إلى اتفاق الدوحة»، الذي وصفه مقرّب من الإليزيه بأنه «اتّفاق الأمل والهشاشة».
ويقول مصدر، طلب عدم ذكر هويته، إن الأشهر الستة الأخيرة من الأزمة اللبنانية شهدت تطوراً في «منظور دمشق لاستراتيجيتها في المنطقة» سمح بالوصول إلى اتفاق الدوحة. وتوقع «تطوراً أكبر في الأسابيع المقبلة»، ولكنه لم يستطع إلا الاستدراك «من باب الحيطة»، قائلاً: «إلا في حال حصول عمل إرهابي كبير في لبنان يقوم به من لا مصلحة له في هذا التطور في المسار السوري».
وينظر المصدر إلى «تحليل هذا التطور الإيجابي» من زاوية «تلمّس النظام السوري لتغيير في مصلحته المباشرة جراء التغيرات التي تسري في المنطقة». ويشدد على أن هذه التغيرات «التي لا تذهب في المسلك الأميركي» أوحت إلى دمشق أنها يمكن أن تفتح طريق «سلامة النظام أولاً وعودة الجولان كاملاً ثانياً» مع المحافظة «إن أمكن على بعض النفوذ في لبنان».
ويتابع المصدر أن «هذه التغيرات الاستراتيجية يمكن أن تقود إلى ابتعاد دمشق عن طهران» بسبب غياب العوامل التي قربت بين العاصمتين. ويعود بتفسيره لهذه العوامل إلى «الصراع بين البعثين الذي اختفى باختفاء نظام صدام» حسين ويربط بين «تراجع العنف في بغداد وعدم وجود مصلحة لدمشق بتزايد نفوذ إيران في العراق». وينبّه إلى أن «تهيّب سوريا من النفوذ الإيراني ليس له التلوين نفسه الذي تعطيه بعض دول الخليج ومصر للخطر الإيراني». وإن هو يوافق على أن «فصل دمشق عن طهران» كان ولا يزال «موضوعاً على أجندة عدد من الدول المذكورة»، إلا أنه يشير إلى أن «كل التحليلات تشير إلى أن مصلحة سوريا هي التي فرضت تفسها» وأن «فرنسا رأت إشارات عديدة» تنم عن هذا التطور الإيجابي، واصفاً زيارة الرئيس بشار الأسد إلى باريس بـ«المهمة جداً».
إلا أن عدداً من المراقبين يرون في ما يدور بين الكي دورسيه والإليزيه من تحليلات ترى إيجابيات كثيرة في التحول السوري بعض «الاستعجال في المهمة». ولم يتردد مصدر رفيع المستوى في القول إنه «كان من المحبّذ أن ننتظر قليلاً على الأقل حتى يتم تشكيل الحكومة (اللبنانية) لنرى ما إذا كانت دمشق ستذهب بعيداً في تعاونها».
إلا أن مصدراً دبلوماسياً مقرّباً من دوائر القرار في فرنسا يرى أن «ساركوزي أحسن الاستفادة من نافذة المناسبة». ويضيف أن هذا يسمح بـ«البناء على تباعد خط المصالح بين طهران ودمشق». ويتابع أن هذا التباعد لا بد وأن يعود لينصب «تباعداً بين حزب الله ودمشق»، وهو برأيه ما «يضعف حزب الله عسكرياً ويقويه سياسياً» أي إنه يصب في مصلحة «الوفاق السياسي اللبناني». ولا يتردد المصدر في التلميح إلى أن «الأمور بدأت تأخذ هذا المنحى منذ اغتيال (القيادي في حزب الله عماد) مغنية»، وإن هو امتنع عن تأكيد «ما يصدر من اتهامات لدمشق». ويقول: «الاعتقاد هنا أن الإسرائيليين وراء الاغتيال»، إلا أنه يضيف: «ولكن تصرفهم هذه المرة ليس ككل المرات»، وفي ذلك إشارة إلى عمليات الاغتيال التي كانت تكذبها تل أبيب من جهة وتؤكدها مصادرها من جهة أخرى.
وتتفق المصادر في الخارجية والإليزيه، عشية سفر الرئيس ساركوزي، على أن هذا التحول الكبير في موقف دمشق «سوف يظهر بارزاً في ١٣ تموز» من خلال حضور الرئيس السوري قمة الاتحاد من أجل المتوسط. وتضيف المصادر أن إعطاء هذه الأهمية لهذه الزيارة «هي بسبب جلوس رئيس سوريا على بعد ثلاثة صفوف من (رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود) أولمرت»، متسائلاً بصوت فيه الكثير من الإعجاب والتعجب: «أليس هذا حدثاً يذهب في اتجاه السلام في المنطقة؟». ويضيف مصدر آخر أن «حضور الأسد إلى باريس سيسهل حضور (الرئيس اللبناني العماد ميشال) سليمان، رغم أن الثاني قد أكد أيضاً حضوره».
ويرى أكثر من مراقب أنه في حال «صحّت توقعات الدبلوماسية الفرنسية»، التي ترى في هذا التوجه «شرقاً أوسط جديداً يختلف عن شرق أوسط أميركا»، فإن فرنسا، بحسب مسؤول رفيع المستوى في الكي دورسيه، «تكون قد سجلت أكثر من نقطة على الحليف الأميركي»، وخصوصاً إذا استطاعت بالتعاون مع «حليفها الكبير» قطر إطلاق «دينامية سلام» عجزت الولايات المتحدة عن تحريك أي مفصل من مفاصلها.