أرنست خوريالصدمة الإيجابيّة التي أحدثها انتخاب الشيوعي ديميتريس كريستوفياس رئيساً لقبرص في شباط الماضي، لم تقتصر على تسريع مسار توحيد الجزيرة القبرصيّة المقسّمة منذ عام 1974، إنّما أنعشت الآمال بأن تؤدّي إلى إعادة شيء من الدفء إلى العلاقات التركيّة ـــ القبرصيّة.
تسارعت اللقاءات بين كريستوفياس ورئيس قبرص التركيّة محمد علي طلعت، كما كثر كلام يرجّح قرب لقاء رفيع يُعقَد بين الرئيس القبرصي والقيادة التركيّة في أنقرة أو في نيقوسيا أو حتّى في أيّ مكان «محايد».
غير أنّه، في خضمّ هذه الإيجابيّة التي ظهرت على الخطّ القبرصي ـــ القبرصي، ظهرت مفاجأة سلبيّة عبّرت عنها ما كشفته مصادر «مؤكّدة» لصحيفة «زمان» التركيّة، عن أنّ القيادة القبرصيّة اليونانيّة تكاد تعمل ليل نهار على عرقلة فتح المفاوضات الأوروبيّة ـــ التركيّة بشأن عضويّة تركيا في الاتحاد الأوروبي، تحديداً بشأن فصل الإصلاح القضائي المطلوب من أنقرة إجراؤه، والفصل الآخر المتعلّق بالحقوق والحريات الأساسيّة.
ولأنّ المفاوضات التركيّة ـــ الأوروبيّة موضوع فائق الأهميّة بالنسبة لدول الاتحاد، فلكلّ واحدة منها الحقّ في وضع فيتو على إحدى النقاط التي ترى فيها شائبة ما. فيتو تؤكّد المصادر أنّ نيقوسيا وضعته حين قرّرت لجنة توسيع الاتحاد المولجة التفاوض مع أنقرة، فتح التفاوض بشأن مواضيع الثقافة والنظام التربوي ومجتمع المعلومات.
وبحسب المصادر نفسها، فإنّ نيقوسيا رفضت فتح هذه المفاوضات قبل أن تضع الدول الـ27 التي تؤلّف الاتحاد، شرطاً جديداً على أنقرة، يجبرها على «الاعتراف بمسؤوليتها عن المشكلات المتعلّقة بخروقات حقوق الإنسان ونقص الحريّات العامّة في كلّ الأراضي الخاضعة للسيطرة التركيّة»، في إشارة واضحة إلى الجزء الشمالي من الجزيرة القبرصيّة.
يُذكَر أنّ المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن ترشيح الأخيرة لنيل عضوية كاملة فُتحَت في عام 2005. غير أنّها عُلّقت عند 8 فصول (من أصل 35)، بسبب رفض أنقرة فتح مرافئها ومطاراتها أمام الطائرات والبواخر القبرصيّة. وأعربت حكومات أنقرة مراراً عن استعدادها لفتح المجال أمام الملاحة القبرصيّة، بشرط تخفيف الاتحاد الأوروبي القيود التي يضعها أمام التبادل التجاري مع قبرص التركيّة.
وفي ظلّ الفيتو القبرصي الأخير، يكون ما مجموعه 16 فصلاً قد توقّف التفاوض بشأنها. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ فرنسا ترفض فتح المحادثات بشأن 5 فصول أخرى تتضمّن كلمة «عضويّة»، انطلاقاً من القول الشهير للرئيس نيكولا ساركوزي إنّ تركيا «لا تنتمي لا ثقافياً ولا دينياً إلى أوروبا».
وفي السياق، تؤكّد «زمان» أنّ الحكومة التركيّة أعربت للاتحاد الأوروبي عن رفضها المطلق وغير القابل للتنازل تلقّي وثائق تتبنّى الشرط القبرصي، لأنّ القبول بذلك، من شأنه أن يمثّل اعترافاً شبه مباشر من أنقرة بأنها «محتلّة» لقبرص.
هكذا، مرّة جديدة، تجد حكومة رجب طيب أردوغان نفسها أمام مأزق الصدّ الأوروبي الدائم، لكن هذه المرّة يأتي الرفض بمثابة الطعنة في الظهر، لأنّ مصدرها قبرص التي انتخبت رئيساً، أولى نقاط جدول أعماله، تحسين العلاقة مع أنقرة.
ويمكن إدراج خبر العرقلة القبرصية، كردٍّ سلبي على «رسالة الغزل» التي بعثت بها أنقرة إلى أوروبا عندما وافقت الحكومة التركيّة قبل يومين على «اتفاق كيوتو» الذي يحدّد انبعاثات الغازات السامة، بحيث إنّ أوروبا تنظر بعين الرضى إلى أي طرف يوقّع الاتفاق البيئي الذي أقسم جورج بوش أنه لن يوقّعه ما دام منتَخَباً من المجمع الصناعي العسكري الأميركي.