الجزائر ــ حياة خالدبعد التصريحات الأخيرة للصحافي المصري محمد حسنين هيكل على قناة «الجزيرة»، التي يقال إنها كانت وراء إغلاق مكتب القناة في الرباط، بعد اتهامه للملك الحسن الثاني بأنه أوعز إلى الاستعمار الفرنسي باختطاف الطائرة التي كانت تقل قادة جبهة التحرير الجزائرية عام 1958، ها هي تصريحات أخرى تنبش التاريخ. هذه المرة جاءت على لسان المجاهد الجزائري ووزير الدولة، السيد دحوا ولد قابلية، الوزير المنتدب لدى وزارة الداخلية الجزائرية.
شهادة ولد قابلية المثيرة تقول إن الملك المغربي الراحل الحسن الثاني كان يتقاسم مع جيش التحرير الأسلحة المستوردة للثورة ويطالب بأموال في مقابل إدخالها إلى الجزائر. وأضاف، خلال محاضرة ألقاها في الجزائر، أن جيش التحرير اضطر إلى اقتسام حمولة سفينة معبّأة بالأسلحة من ألمانيا مع الجيش المغربي، في مقابل السماح بإمرارها عبر التراب المغربي إلى مقر قيادة جيش التحرير الجزائري في الناحية الغربية الواقعة في مدينة وجدة المغربية.
ومع ذلك، لم ينكر ولد قابلية ما قام به الجيش الملكي المغربي من دعم للثورة الجزائرية. وقال «إن الجيش المغربي قدم مساعدات كبيرة أسهمت في إنجاح الثورة في ظل المعارضة التي كان يبديها للملك محمد السادس آنذاك عقب استقلال المغرب عن الاحتلال الفرنسي».
والمتتبّع للهجة العتاب التي يتحاور بها البلدان يجد أن لهجة الاتهامات المشفّرة كانت دائماً حاضرة، لكن عندما تصدر اتهامات بهذا الشكل على لسان جهات رسمية، فإن الأمر يعدّ خطيراً ولن يزيد الطين سوى بلة ولا ينبئ بانفراج العلاقات بين البلدين في الوقت المنظور.
فالبلدان، ورغم الخطابات المنمّقة التي تعتمد في المناسبات ورسائل الودّ التي يتفنّنان فيها، فإن الشرخ في علاقاتهما واضح للعيان والجرح عميق، زادته المعطيات الجديدة هوّة وتباعداً. الحدود لا تزال مغلقة، والتأشيرة لم تلغ إلا بعد عناء شديد، وملف الصحراء الغربية لا يزال مربط الفرس الذي يتحجّج به الطرفان في كل مرة يطالبان فيها بالتقارب. فالجزائر تصرّ على التسوية الأممية للنزاع في الصحراء الغربية، بينما المغرب مصمم على أن الجزائر هي العقل المدبر لجبهة البوليساريو، وأنها محرّك التمرّد في الصحراء.
ولا يخفى على أحد أن توتر العلاقات بين البلدين يرهق كل المنطقة المغاربية، أو بالأحرى مؤسسة الاتحاد المغاربي المجمّدة منذ 1994 بسبب هذا التوتر. غير أن تصريحات ولد قابلية لم توجّه أصابع الاتهام إلى المغرب فحسب بل إلى دولة مغاربية أخرى لا تقل أهمية. فبحسب ولد قابلية، فإن الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة هو الآخر كان يمارس ضغوطاً متزايدة على قيادة الثورة الجزائرية في قاعدتها الشرقية على الحدود بين البلدين، وكان السبب في منع إقامة مركز لتدريب عناصر استعلامات خاصة بالثورة في تونس. وذهب إلى القول إن بورقيبة كان يتهم الثوار الجزائريين بإثارة المشاكل لنظامه.
جمال عبد الناصر لقي نصيباً في محاضرة ولد قابلية، الذي قال إنه «كان يتعامل بمنطق المساومة مع الثورة الجزائرية، وإنه رفض منحها مساعدات مالية أقرّتها الجامعة العربية آنذاك، وقرر استبدال قيمتها بكميات من البطاطا والحمص». وأضاف أن عبد الناصر كان يتدخل بفرض أسماء على الحكومة المؤقتة الجزائرية آنذاك، ومن بين هذه الأسماء الرئيس الأسبق أحمد بن بلة.