واشنطن ــ محمد سعيدعنصر تعقيد جديد أُضيف إلى المفاوضات بين واشنطن وبغداد حول الاتفاقية الطويلة الأمد، لكنّ مصدر التعقيد هذه المرّة أميركي وليس عراقياً. فقد كشفت رسالة من أحد المسؤولين في الكونغرس، وجّهها إلى رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني، عن أنّ مجلس النواب الأميركي، ذات الغالبية الديموقراطية المعارضة لاستمرار الحرب على العراق، مصرّ على التصويت على أي اتفاقية تتضمن بنوداً أمنية، وإلا اعتُبرت باطلة.
وأكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية حول المنظمات الدولية وحقوق الإنسان والرقابة في الكونغرس، ويليام ديلاهنت، في رسالة حصلت «الأخبار» على نسخة منها، أنه «وفقاً للدستور الأميركي، وحده الكونغرس يمكنه أن يجيز معاهدة كهذه، إذا ما تضمنت إعطاء صلاحيات للقوات الأميركية باستخدام القوة أو بالالتزام بضمانات حول استخدام القوة بالنيابة عن الحكومة العراقية».
وجزم ديلاهنت، في رسالته، أنه إذا لم تحظَ الاتفاقية بمصادقة الكونغرس «فستعتبر باطلة وغير ملزمة».
لكن مصادر عراقية مطّلعة نقلت عن المشهداني تأكيده استحالة المصادقة على الاتفاقية بحلول الموعد الذي حددته إدارة جورج بوش في تموز المقبل. كذلك فإن الاتفاقية تحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي العراقي، وهو ما تؤكد مصادر عديدة صعوبة توفّرها.
وكان وزير خارجية العراق، هوشيار زيباري، قد كشف في وقت سابق عن أن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لم يوافق على «إعلان المبادئ» المشترك مع بوش الخاص بالاتفاقية في تشرين الثاني الماضي، إلا بعد حصوله على موافقة صريحة في هذا الشأن من رؤساء خمس كتل نيابية رئيسية.
وخفّف مصدر عراقي من أهميّة الدعم النيابي الذي حصل عليه المالكي، لأن الكتل الخمس التي يقصدها زيباري هي: «حزب الدعوة» الذي يرأسه المالكي نفسه، «المجلس الإسلامي الأعلى»، الكتلتان الكرديتان و«الحزب الإسلامي»، إذ إن مجموع ما تملكه تلك الكتل من نواب يبلغ 114 عضواً، أي أقل من نصف أعضاء المجلس، فيما الموافقة على الاتفاقية تحتاج إلى 183 نائباً من أصل 275.
كذلك فإنّ الجماعات العراقية الموالية لطهران، ومنها حزب المالكي نفسه والمجلس الأعلى، أعلنت في ما بعد رفضها للاتفاقية وسحبت موافقتها المسبقة على «إعلان المبادئ»، بعدما أعلنت الجمهورية الإسلامية رفضها المطلق لأي اتفاقية بين بغداد وواشنطن.
وكانت إدارة بوش قد عدّلت البند الأمني الأساسي في المعاهدة، الذي كان ينصّ على «تقديم ضمانات أمنية للحكومة العراقية لردع أي عدوان خارجي وتأمين وحدة وسلامة أراضي العراق». ونصّ البند الجديد على أن «تتشاور الولايات المتحدة والعراق فور تعرض سلامة الأراضي الإقليمية أو الاستقلال السياسي للعراق إلى تهديد».
وبرّرت الإدارة الأميركية التعديل، برغبتها بجعل الاتفاقية خالية من صفات معاهدة «الدفاع المشترك» التي تؤكد على التزام أمني وعسكري، لتجنّب ضرورة الحصول على موافقة الكونغرس الذي يهيمن عليه الديموقراطيون.
ويبدو أنّ التعديل المذكور أثار غضب إيران والمالكي على السواء، حيث تشير مصادر أميركية مسؤولة إلى أن ذلك كان السبب الأساسي في إعلان المالكي من عمّان بأن «المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود».
وتعزو المصادر نفسها رفض المالكي للتعديل، لأن البند الذي تمّ تعديله كان يؤكّد التزام الولايات المتحدة الإبقاء على حكومة «الائتلاف العراقي الموحّد» ضد أي محاولات لإسقاطها، فيما لا ينص البند الجديد على ذلك.
وأشارت مصادر أميركية مطّلعة إلى أن مخاوف المالكي من إسقاط حكومته، أُثيرت للمرة الأولى في حزيران 2007، بعد أيام قليلة من المؤتمر الدولي في شرم الشيخ الذي شهد «هجوماً» عربياً على حكومته «الطائفية والموالية لإيران».
وكان السبب البارز في إثارة هذه المخاوف، مشاركة رئيس الحكومة العراقية الأسبق إياد علاوي، في الاجتماع، في ظلّ ما أشيع عن «أفضليته» لدى واشنطن التي أصبحت تنتقد «الصبغة المذهبية» للائتلاف الحاكم في بغداد.
على صعيد آخر، أعلنت صحيفة «الصباح» العراقية الحكومية أن عدداً من رؤساء الدول الغربية والعربية سيزورون بغداد قريباً، كبادرة «تعكس نجاح الدبلوماسية العراقية»، وتؤكد حالة الأمن والاستقرار التي تتمتع بها البلاد.
وقالت الصحيفة إن هؤلاء الرؤساء هم: «الرئيس الأميركي جورج بوش، رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وأمير دولة قطر حمد بن خليفة آل ثاني، فضلاً عن وزراء خارجية ومسؤولين آخرين من عدد من دول العالم».
ورجّح القيادي في «المجلس الأعلى الإسلامي»، حميد معلة، أن «تثمر» هذه الزيارات عن نتائج إيجابية، حيث ستقابلها جولات لمسؤولين عراقيين إلى العديد من دول العالم، بينها جولة للمالكي تشمل كلاً من إيطاليا وألمانيا وعدداً من دول الخليج. وكشفت الصحيفة عن أن وفداً يمثل «المجلس الأعلى»، سيزور القاهرة خلال الأيام القليلة المقبلة.
ميدانياً، سقط جندي أذري بالإضافة إلى 8 عراقيّين في أعمال عنف متعددة في مختلف أنحاء العراق.