إجماع على «إيرانيّة» حزب الله والاعتداء على الإعلام دعم الأكثريّة معنويّاً
باريس ـــ بسّام الطيارةإلا أنّ المراقب لوسائل الإعلام الفرنسية لا يستطيع إلّا أن يقول «إنّ المعارضة خسرت المعركة الإعلامية في فرنسا»، ومن الممكن أن يكون الأمر كذلك في بقيّة الدول الغربيّة المؤيدة لحكومة فؤاد السنيورة.
ويرى بعض المراقبين أنّ الأكثرية اهتمّت بربح المعركة الإعلامية في الخارج منذ انطلاق شرارة النزاع، التي يعيدها هؤلاء إلى «التصريحات المتوسّعة بشأن شبكة الاتصالات ومشروع دولة داخل دولة» التي صدرت وبدأت تنتفخ قبل أسبوع ونيّف. ويفسّّر بعض المصادر الفرنسية المقرّبة من الأكثرية هذا بكون «فريق الموالاة لا يملك سلاحاً»، بينما يفسّره آخرون بأن «الحكومة اللبنانية حين أخذت قراراتها استندت إلى أجندة خارجية، ويشيرون خصوصاً إلى تاريخ ٨ أيار وتقديم ناظر القرار ١٥٥٩، تيري رود لارسن، تقريره المرحلي».
والواقع أنّ كلمة «انقلاب» لوصف ما حصل، مع إلصاقه بصفة «حزب الله» أو تصنيفه «إيرانياً»، هو ما ساد معظم التقارير الإخبارية ونشرات الصحف الفرنسية والمداخلات على قنوات التلفزيون. ربحت الأكثرية الحرب الإعلامية، رغم أن الظروف اجتمعت لتعاكس كل توجهاتها.
فمن جهة يمكن القول إن مئات آلاف الضحايا في بورما «غطّت قليلاً على الخطة التواصلية لإعلام الحكومة اللبنانية في الخارج»، إذ إن الإعلام الفرنسي لم يكن يستطيع بأي حال من الأحوال عدم تكريس جلّ وقته للكارثة الإنسانية الهائلة التي حلّت بالدولة الآسيوية، وخصوصاً أن عصبة الجنرالات التي تتحكم بمصير البلاد منذ ٢٣ سنة رفضت في مطلع الأمر السماح بوصول المساعدات الغربية، ما جعل من هذا الأمر حدثاً سياسياً إنسانياً داخل الحدث الكارثي، بحيث «غطّت تواصليته الإعلامية كل الحوادث الأخرى»، بما فيها ما حصل في بيروت.
حتّى إنّ مخاطبة وزير الاتصالات مروان حمادة للرئيس نيكولا ساركوزي ومناشدته «إنقاذ لبنان بالضغط على إيران»، مع كل ما حمّلها من شحن عاطفي ألبسه لتاريخ العلاقات بين فرنسا ولبنان، وإشارته إلى «نمط الحياة المشترك»، مرّ على قناة «فرانس ٢٤» من دون أن يحرّك الكثير من ردود الفعل الإعلامية.
ومن جهة ثانية، فإنّ «نافذة الحدث» تزامنت مع عطلة طويلة تبدأ من عشية الخميس، جرت العادة على وصفها بأنها «فترة سبات فرنسا»، حيث يهجر عدد كبير من الفرنسيين وظائفهم في إجازة ربيعية طويلة، بمن فيهم موظّفون كبار مهتمّون بالملف اللبناني غابوا عن الإعلام، وإعلاميّون حلّ محلّهم عدد من «المياومين غير المختصين».
وقد يفسّر هذا بعض الأخطاء التي وقع فيها عدد من الصحف، مثل «ليبراسيون» التي ذكرت أن الشهيد رفيق الحريري كزعيم حالي لتيار المستقبل، نقلاً عن تقرير تحليلي لوكالة «فرانس برس».
نافذة الحدث، أي التوقيت، بالنسبة إلى المحيط الإعلامي، كانت غير مناسبة للأكثرية، وخففت من خسائر المعارضة الإعلامية، وكذلك من صورة «الانقلاب على الشرعية» الذي حملته كل وسائل الإعلام الفرنسية. ويمكن القول إنّ مؤيّدي الأكثرية القاطنين في فرنسا، وخصوصاً في باريس، أدّوا دوراً كبيراً في «تعويض تفويت الفرص الإعلامية»، فكان أول نداء للتجمّع يوم الجمعة أمام وزارة الخارجية في الـ«كي دورسيه»، حيث استقبل بعض كبار الموظفين، وفي مقدّمهم مستشار الوزير كريستوف بيغو، وفداً منهم.
ثم دُعي إلى تجمّع واعتصام أمام السفارة الإيرانية، يوم أول من أمس، حضره نحو ٢٥٠ ناشطاً، «استنكاراً للهجمة البربرية لعصابات حزب الله على عاصمة العروبة والحرية»، كما جاء في بيان الدعوة الذي اتهم المعارضة بالانتساب إلى «الحرس الثوري الإيراني» وتنفيذ مخططات إيران «بالاستيلاء العسكري على بيروت ولبنان لفرض نموذجها الفاشي». ومن المنتظر أن يعاد الاعتصام أمام أبواب السفارة الإيرانية، غداً الثلاثاء، حاملاً الشعارات نفسها.
ومن المؤكد أن الهجوم على مؤسّسات «المستقبل» الإعلامية أسهم في «مدّ دعم معنوي للأكثرية في باريس». ويقول أحد المراقبين، إنه لولا الضربة الإعلامية التي مثّلها احتراق مبنى وسيلة إعلامية، لما حضر هذا العدد، ولما استطاعت أخبار لبنان «إيقاظ فرنسا من سباتها». ومن الجدير بالذكر أنّ عدداً من أبناء الجالية اللبنانية توجّه أمس إلى السفارة اللبنانية للاحتجاج على ما يحصل في بيروت، واستقبلهم السفير بطرس عساكر.
ويتّفق المراقبون على أنّ «الكسب الإعلامي للأكثرية» يمكن استغلاله إذا ظلت الأمور متعثّرة، إذ إنه مبني على «شعار الانقلاب كمعلم تواصلي ثابت»، وهو يمكن «البناء عليه تواصلياً»، لأنه يذهب في الاتجاه العام لكل ما يمكن أن يدعم قراراً دولياً في حال التوجه نحو التدويل. وهو يمكن أن يمدّ «ذخيرة تواصلية» لأي قرار يندد بانتهاك أو عدم تطبيق القرار ١٧٠١ و١٥٥٩ ومجمل مطالب المجتمع الدولي الذي يدعم حكومة السنيورة. وبالتالي، فإنّ كلّ «انقلاب» يعاكس تطلّعات المجتمع الدولي يمكن أن يكون مدخلاً لعقاب أو عقوبات.