حلّ الربيع، وانحسرت الثلوج عن جبال الوعود الانتخابية للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بعد أقلّ من عام على وصوله إلى الإليزيه. المسالك الصعبة التي وعد فرنسا بسلوكها لتحسين اقتصادها ورفع مستوى المعيشي فيها، أثبتت عجزها بسرعة قياسيّة. فما هي حلوله المقبلة؟ باريس ــ بسّام الطيارة
لم يلتفت كثير من الفرنسيّين إلى التظاهرة التي نظّمها عدد من الجمعيّات والمنظّمات للمطالبة بتسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيّين؛ فالمواطن الفرنسي يلتفت اليوم إلى مشاكله المعيشيّة أوّلاً وأخيراً، ويركض خلف مستوى معيشي يهرب منه يوماً بعد يوم.
فرنسا في أزمة اقتصادية خانقة. ويتّفق الجميع على أنّ عدداً من العوامل التي تضرب بهيكلية البناء الاقتصادي الفرنسي اليوم، سببها خارجي، ولا تستطيع حكومة باريس التأثير عليها ولا ضبطها.
وفرنسا، كما قال ساركوزي أكثر من مرة، «خزينتها فارغة»، بالتالي لا تستطيع تحقيق ما يطمح إليه المواطنون من رفع مستوى معيشتهم وضمان رواتبهم التقاعدية وتأمين فرص عمل للعاطلين عن العمل منهم الذين عادت أرقامهم ترتفع منذ ستة أشهر. ويمكن اختصار هذا الوضع سياسياً بعنوان من اثنين: إمّا أنّ ساركوزي «كذب على المواطنين» بوعوده الانتخابية قبل أقل من سنة للحصول على أصواتهم. أو أنّه كان «غير قادر» على فهم الوضع الاقتصادي على حقيقته، وقال «أشياء لا قيمة لها» كما يتّهمه عدد متزايد من المعلّقين السياسيّين.
عواصف كثيرة مرّت منذ وصول الرئيس إلى الحكم. وقد يكون عدد الملفّات الساخنة التي تناولتها إدارته في فترة قصيرة، يمثّل رقماً قياسياً كما هي حال رقم تراجع شعبيته. وكانت سلسلة طويلة من العناوين «الشخصية»، قد مُزجت بحلقات الملفّات العامّة، بدأت بقصّة طلاقه وانتهت بزواجه، مروراً بعدد من المشاهد المبكية المحزنة مثل «شجار الرئيس» مع المواطنين والزيارات «الفولكلورية» المتبادلة مع عدد مرتفع جداً من الرؤساء الأجانب. إلّا أنّ هذه السلسلة ضمّت أيضاً ملفات سياسية واقتصادية. بعضهم يصف تلك القضايا بأنها «إيديولوجية عالية الوتيرة»، مثل الإعفاءات الضرائبية للأثرياء والضغوط على مبدأ تحديد ساعات العمل والسماح للمخازن الكبرى بالعمل خلال عطل الأسبوع، وهي كلّها توجهات فائقة الليبرالية بحسب توصيف الخبراء.
أمّا الآن، وقد انصاع ساركوزي لمطالب مستشاريه في شؤون العلاقات العامّة، ممّن طلبوا منه «قليلاً من الهدوء على صعيد حياته الشخصية وترك الحكومة تعمل»، فقد تعود هذه الملفات الإيديولوجية إلى واجهة الأحداث، وخصوصاً بعدما نشرت «طروحات ساركوزي الـ١٦٦ لتحسين الاقتصاد الفرنسي». ويقترح سيّد الإليزيه في «طروحاته» العمل على إلغاء العجز في موازنة الدولة بحلول عام ٢٠١٢، وهو يبلغ اليوم 2.7 في المئة أي 50.3 مليار يورو. ومن أبرز المقترحات للوصول إلى هذا الهدف المطلوب أوروبياً، هو إحلال موظّف واحد محلّ كل مركزين يشغران، ابتداءً من السنة المقبلة، وذلك لخفض عدد الموظّفين الحكوميّين، ليُضاف إلى ما تقرّر منذ شهرين، أي خفض عدد الأساتذة بنسبة كبيرة جدّاً وهو ما يدفع نقاباتهم والطلبة للإضراب والتظاهر بشكل مكرّر مع احتمال عودة قريبة لهم إلى الشوارع، يُتوقَّع أن تكون أعنف بكثير من سابقاتها.
ومن بين المقترحات الليبرالية الأخرى، خفض نسب الذين يحقّ لهم الاستفادة من المساكن الشعبيّة. فبحسب آخر أرقام معلَنة، فإن ٧٠ في المئة من العائلات الفرنسية يحقّ لها الحصول على هذه التسهيلات استناداً إلى مستوى مداخيلهم، لتصبح أسعار المساكن الشعبيّة «تُطرح للإيجار بحسب أسعار السوق».
ورغم عدم لفظ كلمة «خصخصة»، فإن إنشاء «تعاونيات للإدارة المدنية» للجيش الفرنسي أمر مطروح. وفي السياق، يتوقّع أن يجري إلغاء نحو ١٠٠ ألف وظيفة رسمية في أجهزة الدولة، ما يعني مزيداً من انسحاب الدولة من عدد من المرافق التي تعوّد الفرنسيون أن تكون في يدها، وهو ما كانوا يرونه «التمايز الفرنسي مقارنة بالنموذج الأنغلو ــ ساكسوني».
إلا أنّ ساركوزي «مرّة أخرى»، لم يكذب، فقد كان أعلن منذ البداية أنه «ليبرالي يميني» يسعى إلى إلحاق فرنسا باليمين العالمي اللليبرالي. وقد أعاد ترداد هذه المقولة أمام الملكة إليزابيت الثانية ومجلس العموم البريطاني حين قال «على فرنسا أن تتعلّم منكم». وقد رأى كثيرون أنّه يقصد «أن تتعلم فرنسا مما فعلت رئيسة الوزراء المحافظة مارغريت تاتشر».