الجزائر ــ حياة خالدمع تحوّل شوارع شمال نواكشط إلى مسرح للمواجهات بين مقاتلين إسلاميين والجيش الموريتاني، لم يعد خافياً تحوّل موريتانيا إلى مرتع للجماعات الإرهابية، لتنضم بذلك إلى جيرانها في المغرب العربي، ما يجعل مشروع تحويل شمال أفريقيا إلى قاعدة إقليمية لتنظيم «القاعدة» قاب قوسين أو أدنى
شهدت موريتانيا، بلد المليون شاعر، للمرة الأولى، أول من أمس، اشتباكات بين قوات الأمن والجماعات المسلحة شمال نواكشط، أدت إلى مقتل مسلّحين وشرطي وجرح سبعة آخرين، وهو ما عدّه المراقبون منعطفاً خطيراً في الوضع الأمني في هذا البلد الذي ظل يحمل شعار الأمن والسلام والمسالمة طويلاً. كما تؤكد هذه الاشتباكات خروج الجماعات من سرّيتها بإعلان الحرب مباشرة مثلما كان يقع في جارتها الجزائر.
اشتباكات أعقبتها صباح أمس مداهمة للمنزل الذي تحصّن فيه المقاتلون الإسلاميون قبل فرارهم منه، حيث وجد رجال الأمن مختبراً مجهّزاً لصناعة المتفجرات. وكانت قوات الأمن قد عثرت أول من أمس، داخل سيارة على مقربة من المنزل المستهدف، على رجل جريح، يشتبه بنسبة 80 في المئة في أنه سيدي ولد سيدنا المتورّط الثالث في مقتل السياح الفرنسيين الأربعة، في كانون الأول الماضي. مع العلم أن المواجهات تمثّل الحدث الإرهابي الثالث في موريتانيا في ظرف أشهر،والأعنف كان عملية مقتل السياح التي أدت إلى إلغاء رالي داكار.
وكشفت مصادر قريبة من التحقيق أن سيدي ولد سيدنا لجأ على ما يبدو إلى عناصر المجموعات السلفية المرتبطة بـ«القاعدة» في أحياء شمال نواكشوط، حيث رصدته الشرطة الخميس الماضي، إلا أنه تمكن من الإفلات منها.
ومنذ ذلك الحين، واصلت قوات الأمن الضغط على هذه الأحياء، حيث أقامت العديد من الحواجز وقامت بعمليات تفتيش منهجية للمنازل التي اشتبهت فيها. كما عززت السلطات ضغوطها بإعلان النيابة العامة عن مكافأة قدرها 13 ألف يورو لمن يساعد في اعتقال ولد سيدنا.
ويرى محللون أن الرئيس الموريتاني، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، لا يحمل أي خطة استراتيجية للتصدي لظاهرة الإرهاب. فلا هو أبقى على مقاربة الحل الأمني التي اعتمدها الرئيس السابق معاوية ولد سيدي الطايع والمجلس العسكري برئاسة العقيد أعلي ولد محمد فال، ولا هو تبنّى طريق الحوار مع الشباب الذين يحملون الفكر الجهادي لإقناعهم بالعودة إلى المعارضة السلمية بعيداً عن حمل السلاح.
على الجبهة المقابلة، حمّل تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، في بيان نشر على الإنترنت، أول من أمس، فيينا مسؤولية مصير الرهينتين النمساويتين أندريا كلويبر وفولفغانغ أبنر. ولم يحدد مهلة نهائية جديدة بعدما انقضت المهلة الأخيرة منتصف ليل الأحد، ولا ما سيكون عليه مصير الرهينتين.
وجاء اختطاف السائحين النمساويين على الحدود التونسية الجزائرية واقتيادهما إلى مالي، بمثابة الدليل على أن تنظيم «القاعدة» في العالم لا يريد منطقة المغرب العربي، فحسب بل كل شمال أفريقيا والبوابة هي منطقة مالي.
ويرى مراقبون أن اختيار الجماعات الإرهابية لمنطقة مالي يعود إلى طبيعتها الصحراوية التي تعوّدت هذه الجماعات الولوج إليها عندما يتعلق الأمر بقضية اختطاف سياح أجانب، لكي تتفاوض مع بلدانهم الأصلية مثلما وقع عام 2003، عندما اختطفت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، بزعامة عبد الرزاق البارا، آنذاك 23 سائحاً أوروبياً، وأطلقت سراحهم في مقابل ستة ملايين يورو.
وقد أسالت قضية اختطاف النمساويين الكثير من الحبر، كما تميّزت تصريحات المسؤولين الجزائريين والتونسيين بنوع من التحفّظ تطبعها حرب كلامية؛ فقبل تبنّي «القاعدة» للعملية، رمى كل طرف الكرة في ملعب الآخر، نافياً أن تكون عملية الاختطاف تمت على أراضيه.
وفي ظل هذه المواقف المتباينة، يواصل تنظيم «القاعدة» مخططاته وتوحيد أواصره في المنطقة، والتموقع في شمال أفريقيا لتتحول المنطقة إلى قاعدة إقليمية للجهاد.
ويذهب محللون إلى أن «القاعدة» يريد منطقة شمال أفريقيا أفغانستان أخرى، نظراً إلى التضاريس المتشابهة للمنطقتين، تضاريس كانت السلاح الأول لحركة «طالبان»، وطبيعة جعلت روسيا ترفع الراية البيضاء وحلف شمالي الأطلسي لا يزال غارقاً في وحولها حتى اليوم.
كما يتضمن المخطط ضرب الركائز الاقتصادية لبلدان المغرب العربي، وبينها السياحة. فتنظيم «القاعدة»، بعدما ركّز قواعده في الجزائر، التي أنهك اقتصادها، ها هو يوجّه أنظاره إلى الدول المجاورة.
وأمام هذا الواقع الذي بدأ يفرضه تنظيم «القاعدة» والجماعات المتحالفة معه، حذّر مراقبون من أنه ما لم يُكبح جماح النشاطات في المنطقة المغاربية، فإن الخطر سيمرّ من شمال أفريقيا إلى العالم عن طريق أوروبا. إذ تشير المعلومات المستقاة من المصادر الأمنية إلى أن شباباً يدرَّبون في المنطقة، ليرسلوا بعد ذلك إلى أوروبا لتسويق أفكارهم الراديكالية، فيما تؤكد دلائل أخرى التنسيق الحاصل بين تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» ونظيره في بلاد الرافدين لتجنيد الشباب وتسليحهم. وهو ما تمّ في بادئ الأمر عندما برزت ظاهرة الإرهاب في الجزائر للمرة الأولى، فكانت المدرسة الأولى للمسلّحين هي أفغانستان.
وفيما يعبر الإرهاب الأوطان من دون أن يستشير أحداً، لم تعد الدولة القُطرية قادرة انفرادياً على التصدي لهذه الظاهرة، ما يستلزم تنسيق الجهود بين دول المغرب العربي خاصة وشمال أفريقيا عامة، عوض التلهّي بمشاكلها البينية والحدودية.