حسام كنفانيمع عودة غيوم العدوان لتحوم فوق قطاع غزة بعد شهر التهدئة الذي أعقب مجزرة جباليا في آذار الماضي، يبدو أن حركة «حماس» لن تستسلم لمرحلة التصعيد المقبلة، ولن تسلّم بفشل المفاوضات التي قادتها القاهرة لإرساء نوع من الهدنة بين فصائل المقاومة وإسرائيل، رغم التوتّر القائم حالياً بين الحركة الإسلامية والسلطات المصريّة بعد التهديدات بإعادة اختراق حدود رفح البرّية.
تدرك «حماس» أن حال التوتّر مع القاهرة لا تخدم توجهاتها في المرحلة الحالية، ولا سيما حاجتها الملحّة إلى التهدئة واستئناف مفاوضاتها. وهي لهذه الغاية بدأت تطلق مجموعة من تصريحات تندرج في إطار «الغزل» تجاه مصر ودورها، مشدّدة على أن أي «انفجار» في داخل القطاع سيكون في وجه إسرائيل فقط لا غير.
جهود تخفيف التوتّر شارك فيها رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، ورئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية، اللذان يدركان، ومن ورائهما بقية قادة «حماس»، أن القطاع قد يكون مقبلاً على عدوان واسع، وأن إعادة الاحتلال، التي لمّح إليها الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز لوقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات المحاذية لغزة، لن يكون بعيداً عن ذهنية الحرب الإسرائيلية في المرحلة المقبلة.
وتدرك «حماس» أيضاً أن أي تحرّك إسرائيلي لن يحدث قبل مرور احتفالات الذكرى الستين لقيام إسرائيل (نكبة فلسطين) في أيار المقبل، وبالتالي فأمامها هامش مناورة في الأسابيع المقبلة للحد قدر الإمكان من احتمالات العدوان وإعادة أوضاع القطاع إلى ما كانت عليه خلال الأسابيع الماضية، ولا سيما أن حسابات «حماس» لأي عدوان مرتقب ورؤيتها له تختلف عن رؤية أي من فصائل المقاومة الأخرى لاعتبارات كثيرة، قد يكون أهمها أن مشروع مقاومة الحركة الإسلامية غير معزول عن مشروعها السياسي القائم حالياً في قطاع غزة. وهي معنية بحماية هذا المشروع بكل الوسائل الممكنة، على عكس باقي فصائل المقاومة، ولا سيما حركة «الجهاد الإسلامي»، الغائبة منذ نشأتها عن المسرح السياسي الفلسطيني، وقيامها كان ولا يزال مستنداً إلى مشروع مقاوم فقط.
من هذا المنطلق، فإن «حماس» معنية بإعادة عجلة التهدئة ومفاوضاتها إلى الدوران قبل نهاية الاحتفالات الإسرائيلية. والحركة تملك في هذا الإطار ورقة مهمة جداً من الممكن أن تلعبها في المرحلة المقبلة وتعيد تفعيلها في مقدمة لإحياء المفاوضات. فلا يزال الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط في يدها، ومصيره يهم المستوى السياسي والشعبي الإسرائيلي، وإعادة إبراز ملفه قد تساعد الحركة في العودة إلى بازار التهدئة الذي شهدته مدينة العريش المصرية الشهر الماضي.
بازار تبدو «حماس» مستعدة لخفض سقف مطالبها فيه، ولا سيما في ما يتعلق بشروط التهدئة وتزامنها بين قطاع غزة والضفة الغربية، وخصوصاً أن المطلب في الأساس لم يكن مطلباً «حمساوياً»، بل كان من الشروط التي وضعتها «الجهاد»، التي يتعرّض مقاوموها لعمليات تصفية في الضفة الغربية.
ومع شعور «حماس» بحراجة الموقف على أبواب القطاع، قد لا يكون مهماً «التزامن»، بقدر الاستمرارية، ومن غير المستبعد فك الارتباط مع «الجهاد» في المفاوضات، ولا سيما أن ضرب الحكم «الحمساوي» للقطاع يعني نهاية الحركة أو على الأقل مشروعها السياسي، إضافة إلى أن له تبعات سوداوية على الامتدادات الإقليمية لـ«حماس».