strong>انتقادات لتخلّيه عن دعم الديموقراطيّة... واليمين يخشى «مخاطر الهجرة»
باريس ــ بسّام الطيارة
كان لكل رئيس فرنسي «هوسه» بالوصول إلى هدف يراه مهماً: فاليري جيسكار ديستان صب جام طاقته على تحقيق السوق الأوروبية المشتركة، فرانسوا ميتران عمل على تحقيق الاتحاد الأوروبي في شنغين، بينما كان هدف جاك شيراك إحقاق اليورو عملة أوروبية وتحقيق الدستور الأوروبي، فنجح في الأولى وفشل في الثانية.
جاء نيكولا ساركوزي فعمل على تمرير «دستور أوروبي مصغر» من دون طرحه للتصويت الشعبي ولم يعد أمامه هدف كبير في أوروبا، فالتفت إلى المتوسط وطرح فكرة اتحاد من أجل المتوسط، قبل أن تتكفل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بتصغير دوائر طموحاته لتجعله أشبه بـ«اتفاق برشلونة بصيغة محسنة».
رغم هذا يبدو أن الاتحاد من أجل المتوسط هو اليوم «هوس» ساركوزي؛ فمن أجل الوصول إلى عقد أول قمّة لهذا الاتحاد، الذي بشّر له بشكل ملتوٍِ خلال حملته الانتخابية وبصورة مفاجئة بعد وصوله إلى الإليزيه مباشرة، فإنه مستعد لأي تضحية، بما فيها تعهده أن «تكون حقوق الإنسان هي جوهر تحرك فرنسا ودبلوماسيتها».
زيارة ساركوزي لتونس لا تختلف عن زياراته السابقة إلى عدد من الدول التي تميزت بتوجيه الأضواء إلى «قيمة العقود الموقعة»، وهو ما حصل هذه المرة، إذ زادت قيمة العقود هذه على مليار و٤٠٠ مليون يورو تشمل طائرات «إيرباص» ومفاعل نووي «سلمي» لتوليد الطاقة، لتضاف إلى قيمة التبادل التجاري الذي يتجاوز ٧ مليارات يورو سنوياً، وهذا يفسّر عدم تطرّق ساركوزي إلى ملف حقوق الإنسان في بلد يتفق جميع المراقبين على أن حقوق الإنسان فيه في حالة بائسة، كما رفض ربط التعاون الاقتصادي بتحسين وضع الحريات العامة وتسهيل ممارسة العمل السياسي وتداول السلطة ديموقراطياً.
ومن غرائب الأمور أن رئيس حزب «الجبهة الوطنية»، اليميني المتطرف جان ماري لوبان، أبدى أمس تأييداً مباشراً لموقف ساركوزي بشأن عدم إثارة موضوع حقوق الإنسان في تونس، قائلاً لراديو «فرانس أنتر»: «إذا أردنا فقط مصافحة الديموقراطيين في العالم فلن نجد الكثير من المناسبات لإخراج يدنا من جيوبنا». وشدد على أن ساركوزي «غير ملزم بإعطاء دروس للآخرين»، مشيراً إلى أن الكف عن إعطاء دروس للعالم «تغيير في عادات الفرنسيين»، وهو بذلك يعكس لسان حال ساركوزي الذي قال: «لم آت إلى هنا لإلقاء دروس على أحد».
وقد برز موقف لوبن المخالف لآراء العديد من السياسيين الفرنسيين الذين انتقدوا تجاهل ساركوزي لوضع حقوق الإنسان ووجهوا سهام النقد أيضاً لسكرتيرة الدولة لحقوق الإنسان راما ياد، التي اكتفت بزيارات بعيدة عن الأضواء لبعض الجمعيات الإنسانية «المرعية من الدولة»، فيما يقبع ما يزيد على ١٥٠٠ ناشط في مجال حقوق الإنسان في سجون نظام الرئيس زين العابدين بن علي.
إلا أن جميع المراقبين يتفقون على أن هم ساركوزي هذه المرة ليس فقط توقيع العقود التجارية، بل تأمين نجاح قمة الاتحاد من أجل المتوسط التي «تقرر أن تشاطر تونس أمانة السر فيها»، فيما يتحدث البعض عن إمكان أن تكون عاصمة هذا الاتحاد.
ويعوّل ساركوزي كثيراً على إنجاح أولى خطوات الاتحاد، ومن أجل هذا قبل بكل شروط ميركل، التي طالبت بربط كل أعماله بموافقة الاتحاد الأوروبي وإشرافه. كما قبل بأن يفتح باب الرئاسة ليشاطره فيها الرئيس المصري حسني مبارك. ويسأل مراقبون: «ماذا بقي من حل ساركوزي المتوسطي؟».
أداء ساركوزي هذا لا يعجب اليمين. وإن كان لوبن اتفق مع ساركوزي في ما خص حقوق الانسان، فهو يعارضه بشدّة في اتحاده المتوسطي، إذ حذر من أن الاتحاد من أجل المتوسط سيزيد «مخاطر الهجرة إلى فرنسا»، مشيراً إلى أن الاتحاد سيؤدّي إلى إقامة ما يشابه «فضاء شينغن متوسطي» سيقود هذا إلى إغراق «فرنسا بالمهاجرين»، مشيراً إلى أنها حالياً «في طور الغرق». وذكر بأن ٤٥ في المئة من الولادات في الضواحي هي من أصول «غير فرنسية»، مشدداً على أن ٢٥ في المئة من سكان فرنسا «ليسوا فرنسيين».
ويرى البعض أن «متابعة ساركوزي لهدفه المتوسطي» وسط أجواء امتعاض اليمين المتطرف من هذا «الانفتاح» قد يبعد عنه القاعدة التي أمنت انتخابه إلى جانب الانتقاد من تجاهل حقوق الإنسان الذي يؤلب شقاً كبيراً من الفرنسيين، الذين لا يرون «البعد الاستراتيجي» الذي يحمله الاتحاد المتوسطي والذي يهدف إلى وقف مد التطرف الإسلامي وتوسيع اتفاق برشلونة الذي أثبت فشله في ضوء «عدم حل الصراع العربي الإسرائيلي».