نيويورك ـ نزار عبوديبدو أن الأمور تتجّه نحو الانفراج في العلاقات مع إيران، رغم صدور قرار جديد عن مجلس الأمن الدولي يفرض عقوبات جديده ضدها. فقد حملت المناخات التي رافقت صدور القرار 1803، عرضاً غربياً للتفاوض مع النظام الإسلامي.
الأمور تبدو كذلك، لا سيما أن المرشّح الديموقراطي للرئاسة الأميركية، باراك أوباما، يكتسح الولايات على خلفية وعد بالحوار مع إيران وسوريا، فضلاً عن التوجه للقضايا الداخلية. ولأن العصا الأميركية لم تعد تخيف أحداً بعد إخفاقاتها في كل الحروب السابقة، كان لا بدّ من البحث عن سياسة الترغيب.
في هذه الأجواء، يصدر القرار 1803 الذي بدا في الظاهر مشدداً للعقوبات على إيران على خلفية برنامجها النووي، وفي الباطن ما هو إلا إبقاء لورقة ضغط لا تودّ الدول الغربية التخلّي عنها في لعبة التوازن الاستراتيجي.
المطلوب مفاوضة إيران على كل الأمور، من أفغانستان والعراق إلى فلسطين، وتخفيف الخسائر إلى أقصى ما يمكن. ألمانيا رضيت بخسارة عقود بقيمة خمسة مليارات دولار في السنة من إيران، وانخفضت تجارتها معها إلى النصف من أجل هذه الغاية. وفرنسا غامرت بعلاقاتها التجارية للسبب نفسه.
لكن ما الذي حدا بروسيا والصين إلى دعم مشروع القرار في مجلس الأمن؟ وما الذي أجبر ليبيا وجنوب أفريقيا وفيتنام على التراجع عن موقف مُعلن سابقاً يقضي بالامتناع عن التصويت، لتبقى أندونيسيا وحدها ممتنعة؟
لعلّ الإجابة عن ذلك، كانت عند مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، الذي أمضى وقتاً كافياً للإجابة عن أسئلة الصحافيين.
تشوركين، الرئيس الحالي لمجلس الأمن، أوضح أن مشروع القرار في جوهره لا يُلزم أي دولة بإجراءات عدائية لإيران. وهو ينص على عقوبات اقتصادية صرفة، دون التعرّض للسفن أو الطائرات في رحلاتها. ولن يتم تفتيش سفينة في ميناء دون إذن من المجلس. معطيات طمأنت محور معارضة تشديد العقوبات، دعمها بيان الدول الست المرافق للقرار الدولي، والذي دعا إلى بذل المزيد من «الجهد الدبلوماسي الإبداعي».
كان مطلوباً وقف التخصيب ولو لفترة زمنية قصيرة، لكي لا تخرج إيران منتصرة انتصاراً ساحقاً. لكن بيان الدول الست جاء ليعرض على إيران «الاعتراف بحقها في البناء، والأبحاث والإنتاج والاستخدام للطاقة النووية للأغراض السلمية بموجب قيود معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية». وحمل البيان وعداً يفيد بأنه «ما إن يتم بناء الثقة بين إيران والمجتمع الدولي بشأن سلمية البرنامج النووي، حتى يتم التعامل مع طهران بالأسلوب نفسه الذي يتم التعامل به مع أي دولة عضو في المعاهدة». وبرأي المندوب الروسي أنه «إذا تجاوبت إيران مع طلب الدول الست، فإنها ستتغلب على مشاكلها مع الولايات المتحدة».
وكشف تشوركين عن أن روسيا والولايات المتحدة ستنضمان إلى المفاوضات مع إيران بعدما كانت محصورة بثلاث دول (فرنسا وبريطانيا وألمانيا).
عرض التفاوض الأميركي جاء على لسان مندوب الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية، زلماي خليل زاد، الذي حرص خلال كلمته أمام مجلس الأمن على طمأنة الإيرانيين بقوله: «نأمل أن تدخل إيران في مفاوضات بناءة بشأن مستقبل برنامجها النووي. وإذا تكللت المفاوضات بالنجاح، فستتمخّض عنها منافع كبيرة لإيران والشعب الإيراني».
على هذه الخلفية، استطاعت الدول الست أن تقنع ليبيا وجنوب أفريقيا وفيتنام بالتصويت لصالح القرار. ومن دون أصواتها، ما كان القرار ليكتسب قيمة معنوية عالية. فهو القرار الأول الذي يتخذ بحق إيران منذ عامين من دون إجماع كامل.