بغداد ـ زيد الزبيديوفي هذا الصدد، علّق أحد برلمانيّي التحالف الكردستاني بالقول إنّ «عمليّات البصرة والحوادث الجارية حالياً، تُحرج العراق أمام المجتمع العربي والدولي»، وهو ما يلفت إليه مراقبون حين يتحدّثون عن أنّ المالكي وضع نفسه في حالة خانقة يصعب عليه الإفلات منها، لأنّ إسناد مهمّة قيادة العمليات إليه أعطاها البعد السياسي، بينما الحكومة تؤكّد أنّ المسألة أمنيّة وقانونيّة بحتة.
والمُلاحظ أنّه لم يكن للمالكي أيّ دور مباشر في خطة «فرض القانون» في بغداد التي وضعتها القيادة العسكريّة الأميركية، على الرغم من خطورتها وأهميّتها، وجرى تعيين ضباط من الجيش للقيام بالمهمة. إلّا أنّ الدور اختلف هذه المرة، ومُنح المالكي «شرف» القيادة الميدانيّة للقتال «الشيعي ـ الشيعي».
وبحسب مقرّبين من مراكز القرار، فإنّ «الرجل (المالكي) صدّق بأنّه قائد عسكري كما سبق (لسلفه إبراهيم) للجعفري أن صدّق في أيّام معارك تلعفر، قبل أكثر من سنتين، أنّه قائد عسكري، ولبس خوذة عسكرية، والتقطت صور له وهو يقلّد (الرئيس الراحل) صدّام حسين.
وإذا كان المالكي قد صدّق أنّه «قائد عسكري»، فإنّه نسي أبجديّات السياسة بتوجيه الضربات المباشرة إلى التيّار الصدري، الذي منحه و«الائتلاف الموحّد الحاكم»، الغالبيّة البرلمانية ورئاسة الحكومة. ويبدو أنّ المقرّبين منه، كما كان المقرّبون من صدّام، يوحون إليه بأنّه قادر على فعل كلّ شيء، بدليل أنّه يدير حكومة على حافة الهاوية برلمانياً.
ويعتقد المحلّلون بأنّ الخطة الأميركية لضرب الذراع العسكرية للتيّار، «جيش المهدي»، يمكن أن تنجح، لأنّ التنظيم الشيعي اكتسب سمعة رديئة جداً إبّان الاقتتال الطائفي. وهذه مشكلة تواجهها الحكومة في الوقت نفسه.
ومن المعروف لدى العراقيّين، أنّ التيّار الصدري عموماً، و«جيش المهدي» على وجه التحديد، مخترق إلى أبعد الحدود، لأنّ تركيبة الوزارات الأمنيّة، وخصوصاً وزارة الداخليّة، تضمّنت أن يكون معظم الضباط من ميليشيات «منظّمة بدر» التابعة لـ«المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» و«ميليشيات الدعوة»، بينما أُسندت المهمات التنفيذية إلى «المراتب» الذين هم في الغالب من أنصار التيّار الصدري، ما جعل «جيش المهدي» في نظر العراقيّين الأداة التنفيذية في الاقتتال الطائفي.
ولاحظ المراقبون في معارك الأيّام الأخيرة أنّ المعادلة أخذت طابعاً عكسياً، لأنّ الضبّاط لا يمكن أن يقاتلوا من دون جنود، بل إنّ الضبّاط أصبحوا يخشون جنودهم، ما دفعهم إلى ترك مواقعهم وأسلحتهم ومدرّعاتهم، وخصوصاً في مدينة الصدر وأنحاء عديدة من البصرة. ولم يفت الأميركيّون أن يلمّحوا إلى الدور الإيراني، حيث طلب قائد قوّات الاحتلال، الجنرال دايفيد بترايوس، من الجانب الإيراني الإيفاء بتعهّداته، والعمل على وقف نشاط المسلّحين في البصرة، في إشارة الى وجود اتفاق إيراني ـ أميركي على ضرب التيّار الصدري.
ولا يخفى على أحد أنّ جهات ضاربة في التيار الصدري مرتبطة بإيران، كما كانت هناك جهات ضاربة في تنظيم «القاعدة» مرتبطة بإيران، على أن الجهة العسكريّة الأساسيّة ذات العلاقة مع إيران هي «منظمة بدر».
ومهما تكن نتائج المعارك مع التيّار الصدري، فإنّ المالكي هو أوّل الخاسرين، إذ لا سند له داخلياً غير مستشاريه، ما يجعله خاضعاً لـ«المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» ولـ«التحالف الكردستاني». أمّا الخاسر الثاني فهو المجلس الأعلى، المتّهم الآن بأنّه يقود، مع المالكي، «الحرب الشيعية ـ الشيعية»، وسيكون بالنتيجة منعزلاً عن حاضنته الطائفيّة، لتدور الدوائر عليه، وربما بالدور الإيراني نفسه.
وبحسب محلّلين، فإذا لم تقدّم إيران التنازلات للولايات المتحدة على حساب حلفائها الشيعة في العراق، فهي ترمي بنفسها إلى المنزلق الخطير، الذي يجعلها بلا ظهير تستند إليه، ما يجعل أمر توجيه ضربة إليها قراراً اتخذته عملياً بنفسها.