معمر عطوي
من الصعب اليوم تحديد صورة المشهد السياسي المقبل لإيران في ظل تنافس ثنائيتين متضادتين (إصلاحيون ومحافظون)، رغم ما يلمسه المراقب من رغبة في التغيير قبيل الانتخابات التشريعية التي تجرى في 14 آذار.
الصعوبة تكمن في صدقية كل تيار، خصوصاً أن الإصلاحيين حكموا البلاد لفترة طويلة في ظل الرئيس السابق محمد خاتمي (1997ـــــ2005) من دون أن يتركوا بصمات واضحة على الأداء الاقتصادي، رغم أنهم تميزوا بفتح مجالات أوسع أمام الحريات الشخصية والانفتاح على الخارج. لكنهم لم يرتقوا ببلد، يُعد الرابع من ناحية الإنتاج النفطي في العالم، ليصبح مكتفياً ذاتياً على صعيد إنتاج البنزين المُكرّر أو الغاز المسال.
المثير للاهتمام في لعبة التجاذبات الانتخابية الإيرانية، أن الإصلاحيين لن يكونوا وحدهم في مواجهة تيار الأصوليين (المحافظين) المدعوم من المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، وقوات الحرس الثوري؛ فالتيار الوسطي المعتدل، الذي يتزعمه الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، وتيار المحافظين الخارجين عن تأييد الرئيس محمود أحمدي نجاد، يبدو أنهما حسما خيارهما في التحالف مع الإصلاحيين، وهو ما يشير إلى أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون بمثابة معركة كسر عظم بين التيارين.
تدعم هذه الفرضية القيادة الثلاثية لتيار المعارضة (خاتمي ورفسنجاني ومهدي كروبي)؛ فالأول معروف بشعبيته وسط الشباب بسبب أفكاره الانفتاحية، والثاني صاحب نفوذ كبير، هو رئيس مجلس خبراء القيادة ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، وله ثقل اقتصادي واسع في إيران. أمّا كروبي فهو رئيس سابق للبرلمان له حضوره القوي في المشهد السياسي.
لكن ثمة قضية لا شك في أن لها تأثيراتها السلبية على وضع المعارضة في الانتخابات المقبلة، وهي رفض نحو نصف المرشحين الإصلاحيين من قوائم الترشيح.
إضافة إلى ذلك، قد تحمل الأسابيع الأخيرة قبل الاستحقاق الانتخابي، الكثير من المعطيات التي تعيد إلى نجاد بعض ماء وجهه. هذا إذا تمكن الرجل من إثبات قدرته على المضي في البرنامج النووي بأقل خسائر ممكنة، وإذا تبيّن أن ما أقامه من علاقات واتفاقات، خصوصاً مع دول الجوار، قد تؤتي أكلها في المدى القريب، بانعكاسها على حركة الاستثمارات وبالتالي على الوضع الاقتصادي للجمهورية الإسلامية.
في أي حال، قد يحمل الاستحقاق المقبل بعض التغيير في خريطة البرلمان، وقد ترسم هذه الخريطة ملامح صورة الانتخابات الرئاسية في عام 2009. في هذه الحال، قد يطرأ بعض التغيير على السياسة الداخلية، من قبيل دفع نجاد إلى تحسين صورته وتلافي ثغر أدائه السابق.
لكن مفارقة السياسة الإيرانية هي في أن السلطة تبقى في قبضة المرشد الأعلى للثورة. فحين يقول خامنئي إن العلاقات مع واشنطن لن تبقى مقطوعة دائماً، فإن في ذلك إشارة إلى إمكان تبديل الطاقم في المستقبل ليتلاءم مع صورة الانفتاح المقبل، عندما يحين وقته.