strong>حسام كنفاني
محدودية خياراتها «السلمية» تدفعها نحو فتح الجبهات وتوريط عباس

تقبع حركة «حماس» في وضع لا تحسد عليه في أعقاب انسداد آفاق الحوار الداخلي والخارجي في وجهها، بعد الإجراءات المصرية الأخيرة والتصعيد الخطير في لهجة القاهرة تجاه الحركة الإسلامية في ما يخص التعاطي مع معابر قطاع غزة، والتي كانت تراهن عليه الحركة لإحداث ثغرة في جدار الحصار الإسرائيلي.
وتجد «حماس» نفسها اليوم على مشارف استنفاد خياراتها السلمية في التعاطي مع الوضع القائم. وهي في مواجهة توجّهٍ من اثنين لاعتماد سبل إدارة الوضع الداخلي، رغم أن لكل منهما مخاطره على الحركة ومحيطها.
الخيارات السلمية المتوفّرة لم تعد كثيرة، ويمكن تلخيصها في معطيين اثنين، مع استبعاد إمكان المضي بأحدهما، لاعتبارات تتعلّق بالحركة وعلاقتها بفصائل الساحة الفلسطينية عموماً، والغزاوية خصوصاً.
المعطى الأوّل، الذي بدأت تتردّد أصداؤه داخل اجتماعات الغرف المغلقة لـ«حماس»، يقوم على تلبية شروط الرئيس الفلسطيني محمود عباس لجهة «الاعتذار والعودة عن الانقلاب وإعادة الوضع في قطاع غزة إلى ما كان عليه قبل عملية الحسم العسكري». مؤيّدو هذا التوجه، بحسب مصادر مطلعة على ما يجري في أروقة الحركة الإسلامية، يبررون اعتماده بضرورة «رمي كرة الحصار في ملعب الرئيس الفلسطيني» محمود عباس، وبالتالي وضعه أمام مسؤولياته في مواجهة إسرائيل والمجتمع الدولي، وحتى بعض الأطراف العربية.
إلا أن هذا التوجه دونه معارضة من بعض الأطراف المتشدّدة في «حماس»، والتي ترفض مهادنة أبو مازن، إضافة إلى معارضة بعض البراغماتيين في الحركة لاعتبارات «شكلية» لها علاقة بمصير الاستمرار السياسي لحكم «حماس» ومشاركتها في أي انتخابات مقبلة قد يقررها الرئيس الفلسطيني، إضافة إلى اعتبارات «جوهرية» مرتبطة بكيان الحركة، ولا سيما أن مثل هذا القرار قد يؤدّي إلى انشقاق أسماء قيادية لها ثقلها الشعبي الأقرب إلى النهج المتشدد.
توجّه آخر لا يقلّ سلمية وخطورة في آن، يتمثل في تجديد التهدئة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي ووقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1948. ولهذا التوجه أصوات تروّج له على اعتبار أن أي «تهدئة مع الاحتلال تتيح لحماس الصمود أكثر في الأزمة الداخلية»، ولا سيما بعد فشلها في إنجاز ثغرة في جدار الحصار.
غير أن لهذا التوجّه مخاطره أيضاً. فإضافة إلى ما سبق عن معارضة داخلية في الحركة وتهديد الكيان «الحمساوي»، من شأن هذا التوجّه أن يضع «حماس» في مواجهة فصائل مقاومة أخرى رافضة لوقف إطلاق النار، وهو ما يهدّد الزعامة «الحمساوية» لفصائل المقاومة التي كرسها المؤتمر الوطني الأخير في دمشق.
وحتى لو استطاعت الخروج بموقف موحّد من التهدئة، فإن هذا الخيار قد لا يحظى بقبول سلطات الاحتلال المتربصة بقطاع غزة باعتباره «فريسة» أولية لتعويض الهزيمة في لبنان، والتي كرّسها تقرير فينوغراد.
أمام هذه الطروحات والاعتبارات، يبدو أن مساعي «حماس» للخروج بأقل خسائر ممكنة باتت في طريق مسدود. وحتى إبقاء الوضع على ما هو عليه لن يكون ناجعاً على المدى البعيد، ولا سيما أن أنين الحصار بدأ يتصاعد من القطاع، وأنفاق التهريب قد تكون في دائرة الخطر في ظلّ السياسة المصرية الجديدة في سيناء.
بالتالي، الخيار المتاح والفاعل في المرحلة الحالية قد يكون عبر المواجهة الشاملة، وهو ما بدأت «حماس» فعلاً الإعداد له عبر محاولة استدراج عدوان إسرائيلي واسع على القطاع؛ فخلال الساعات الماضية، كان لـ«حماس» المشاركة الأعنف في عمليات إطلاق الصواريخ على سديروت والمستوطنات المتاخمة للقطاع. يضاف إلى ذلك التهديد «الحمساوي» بعمليات استشهادية كبرى، بالتزامن مع المعلومات المتطابقة التي تشير إلى وجود خلايا في إسرائيل.
استدراج العدوان يحقّق للحركة مجموعة من الغايات، على اعتبار أنها اليوم وحيدة في ساحة المعاناة، وهي المعنية الأكثر في فتح ثغر حل، قد تكون عبر تحويل الأوضاع الداخلية إلى أزمة عامة وجر الجميع إلى مربّع الأزمة. وستكون الحركة حريصة على أن تكون الضفة الغربية منطلقاً لمنفذي أي عملية استشهادية مقبلة، بهدف توريط سلطة الرئيس الفلسطيني مع إسرائيل، ودفع الاحتلال إلى وقف المفاوضات معه لاعتبارات أمنية.
وفي إطار سعيها لتعميم الأزمة، لا بأس من خلق إشكال جديد مع مصر وتفجير الحدود مرة ثانية، وبالتالي فتح كل الجبهات في آن واحد، وهو ما ستكون له انعكاسات على الداخل المصري والعربي، ويهدّد بتفجير كبير يتخطى قطاع غزة. تهديد قد يفرض نفسه بقوة على الطاولة العربية مع اقتراب موعد قمّة دمشق، المهدّدة أصلاً بالخلافات العربية.